للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فيما يُقْطَعُ فيه وما لا يُقْطَع]

لا بِتَافِهٍ يُوْجَدُ مُبَاحًا في دَارِنَا، كَخَشَبٍ، وَحَشِيشٍ، وَسَمَكٍ، وَصيْدٍ،

===

خرج هو بعدهم في فورهم. والقياس أَنْ يُقطع الحامل وحده، وهو قول زُفَر، لأن السرقة تمّت به وحده، أَوْ الإخراج تحقّق به. ولنا: أَنْ عادة السُّرَّاق إِذا كانوا جماعة أَنْ يتولّى بعضهم الأخذ والباقون الدفع عنهم، فلو لم يعتبر الكل سارقين لأدّى ذلك إِلى انسداد باب السرقة. أَمّا لو أَصاب كُلا أَقلُّ من نصابٍ، لا يُقْطَع واحدٌ منهم، وبه قال الشافعي والثوري وابن المَاجِشُون المالكي. وقال مالك وأَحمد وأَبو ثور يقطع الكل، لأن سرقة النصاب فعلٌ موجب للقطع، فيسَاوي فيه الواحد والجماعة كالقصاص.

ولنا أَنْ كلّ واحدٍ يقطع بجنايته، والجناية الموجبة للقطع سرقة النصاب، ولم يوجد في هذه الحالة بخلاف القصاص، فإِنّ فعلَ كلّ واحدٍ جنايةٌ موجبة للقصاص، لأن جرح كل واحدٍ صالحٌ لزهوق الروح.

(فَصْلٌ فيما يُقْطَعُ فيه وما لا يُقْطَع)

(لَا بِتَافِهٍ) أَي لا يقطع السارق بأَخد تافهٍ وهو شيءٌ حقيرٌ خسيسٌ (يُوْجَدُ مُبَاحاً في دَارِنَا) وقال مالك والشافعيّ وأَحمد وأَبو ثور يتعلَّق القطع بسرقة كل مال يبلغ قيمته نصاباً إِلاّ التراب والسِّرْقِيْن (١) ، وهو رواية عن أَبي يوسف، لأنه سرق مالاً متقوَّماً من حِرْزٍ لا شبهة فيه.

ولنا ما روى ابن أَبي شَيْبَة في «مصنفه» و «مسنده» (٢) عن عبد الرحيم ابن سليمان، عن هشام بن عروة، عن عائشة قالت: لم تكن يد السارق تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه. وزاد في «مسنده»: ولم تقطع في أَدنى من ثمن حَجَفَة (٣) أَوْ تُرس. (كَخَشَبٍ وَحَشِيْشٍ) وقَصَبٍ فارس (وَسَمَكٍ) طرياً كان أَوْ غيره (وَصَيْدٍ) بحرياً أَوْ برياً، لأن الشركة العامة التي كانت في هذه الأشياء قبل الإحراز تثبت شبهة، والحدود تندراء بالشبهة.

وروى عبد الرَّزَّاق، وابن أَبي شَيْبَة في «مصنفيهما»: أَنْ عمر بن عبد العزيز أُتِي


(١) الشَّرْقين: السِّرْجين: الزِّبْلُ. المعجم الوسيط ص ٤٢٥، مادة (سَرْجَنَ).
(٢) هذه عبارة الزيلعي في "نصب الراية" ٣/ ٣٦٠، وتبعه عليها الكمال بن الهُمَام في "فتح القدير" ٥/ ١٢٨. وكذلك مُلّا علي هنا.
قال ابن حجر: ومنهم - أي من المُحَدِّثين - مَن صنَّف على الأبواب والمسانيد معًا كأبي بكر بن أبي شيبة. اهـ. الرسالة المستطرفة ص ٧. فالظاهر أنه يسمى "المصنف" و "المسند". والله أعلم.
(٣) الحَجَفَة: التُّرْس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب. المعجم الوسيط ص ١٥٨، مادة (حجف).

<<  <  ج: ص:  >  >>