للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ في الجِنَايَاتِ

إِنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا كَامِلًا،

===

ولو أَحْرَمَ بِعُمْرةٍ بعد الفراغ من الأُولى قبل التقصير لزمه دَمٌ لإِحْرامِه قبل الوقت، لأَن وقته بعد الحلق عن الأُولى، لأَن الجَمْع بين إِحْرَامي الحج أَوْ إِحْرامي العمرة بدعة. ولم يذكر محمد دَماً في الجَمْع بين الحجّتين في «الجامع الصغير»، وذكره في الجَمْع بين العمرتين، وأَوجبه في مناسك «المبسوط»، فجعل بعضُ المشايخ فيه روايتين، وذكر بعضُهم أَنَّه لا فَرْقَ بينهما. وسُكُوتُه في «الجامع» ليس نَفْياً بَعْدَ وجودِ المُوجِبِ، لأن الموجب له في العمرتين وهو عَدَمُ المشروعية ثابت في الحَجَّتَين.

فصلٌ في الجنايات

الجنايةُ: فِعْلٌ مُحَرَّمٍ، والمرادُ هنا خاصٌّ مِنْهُ، وهو ما يكون حُرمتُه بسببِ الإِحرام أَوِ الحَرَم. ثُم المُحْرِم إِذا جَنَى عَمداً بلا عذرٍ، يَجِب الجزاءُ والإِثم، فلا بد من التوبة، وإِنْ جَنَى بغيرِ عَمْدٍ أَوْ بِعُذرٍ، فعليه الجزاء دون الإِثم.

وأَمَّا الواجبات فكلُّها إِنْ تركها لِعُذْرٍ لا شيءَ عليه، كما في «البدائع»، ويَجِب الجزاء عندنا وهو قول مالك على الناسي لإِحرامه، وكذا على الجاهل بالحُرْمةِ، إِذْ الإِحرام حالةٌ مُذَكِّرةٌ، فلم يكن النسيانُ ولا الجَهْلُ في دار الإِسلام عُذْراً. ونفاه الشافعيُّ عنهما لأَنهما معذوران، إِلاَّ إِذا قتلا صيداً فإِنه يَجِبُ الجزاءُ على الأَظهر.

ثُم الكَفَّارات كُلُّها واجبةٌ على التراخي، فلا يَأْثم بالتأْخير عن وقت الإِمكان، ويكون مُؤَدِّياً لا قَاضِياً في أَيِّ وقت (أَدَّى، وإِنَّما يتضيّقُ عليه الوجوب في آخِر عُمُره في وقتٍ) (١) يَغْلب على ظَنِّه أَنه لو لم يُؤَدِّه لفات، فإِنَّه إِنْ لم يُؤدِّ فيه حتى ماتَ أَثِمَ، ويَجِب عليه الوصيةُ بالأَداء، ولو لم يُوصِ لم يجب في التَّركةِ ولا على الوَرَثة، ولو تَبَرَّعَ عنه الورثةُ جاز، ولا يصومون عنه. والأَفْضل تعجيلُ الكفارات والمبادرة إِلى الخيرات، فإِنَّ في التأْخيرِ آفاتٍ.

ثُم الجنايات قِسْمَان: مُوجِبٌ للدم، ومُوجِبٌ للصَّدقةِ، فأَشار إِلى الأَوَّلِ بِقَوْلهِ: (إِنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ) مُكَلَّف، ذَكَراً كان أَوْ أُنْثَى (عُضْواً كَامِلاً) كالرأْس والفَخِذ والسَّاق. وقال الفقيه أَبو جعفر: يُعْتَبر كثرةُ الطَّيبِ في نفسه، كَكَفَّين مِنْ ماءِ


(١) سقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>