للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحْكَامُ الآبَارِ]

بِئرٌ فيها نَجَسٌ، أو مات حيوانٌ وانتَفَخَ أو تَفَسَّخَ، أو مات مثلُ آدَمِيٍّ أو شاةٍ: يُنْزَحُ كلُّ ماء فيها إِن أمكَنَ،

===

(أَحْكَامُ الآبَارِ)

(بِئْرٌ) بهمزةٍ ويُبْدَل ياءً (فيها نَجَسٌ) بفتحِ الجيم أو كسرِها، أي وقَعَ نجاسَةٌ، مِنْ بولٍ، أو خمرٍ، أو دمٍ، أو خِنزِيرٍ، أو مُتَنجِّسٍ قليلاً كان أو كثيراً (أو مات حيوانٌ وانتَفَخَ) أي تورَّم (أو تفسَّخَ) أي تقطَّعَ وتفرَّقَ صغيراً كان أو كبيراً (أو مات مثلُ آدِميَ، أو شاةٍ) أي كبيرةٍ، فإنها إذا كانت صغيرةً جداً فحكمُها حُكمُ الدَّجَاجة (يُنْزَحُ كلُّ ماءٍ) بهمزة في آخره (فيها) أي في البئر. وفي بعض النُّسَخ: كلُّ مائِها، أي في الصُّوَرِ المذكورةِ جميعِها (إِنْ أمكَنَ) نَزْحُ جميعهِ بأن لا تكونَ مَعِيْناً (١) .

أمَّا إِذا وَقَعَ فيها نجاسةٌ أو مات فيها حيوانٌ وانتفَخَ فلانتشارِ النجاسة في البئر، وأمَّا إِذا مات فيها مثلُ آدمِيّ، فلِمَا روى البيهقي والدارقطني واللفظُ له: عن ابنِ سِيرِينَ أنَّ زِنْجيّاً وقع في بئر زَمْزَم ـ يعني فمات ـ فأَمَر به ابنُ عَبَّاس فأُخرِجَ وأَمَرَ بها أن تُنْزَح، فغَلَبَتْهُم عينٌ جاءت من الرُّكْن، فأَمَر بها فدُسَّتْ بالقُبَاطيِّ والمَطارِفِ ونحوِها حتى نَزَحُوها، فلما نَزَحُوها انفجَرَتْ عليهم. وهو مُرسَلٌ، فإنَّ ابنَ سِيرِين لم يَرَ ابنَ عباس. والقُبَاطي بالضمّ ويُكسَر (٢) : الثيابُ المصريَّة، والمَطارف: الأَرْدِيَة.

وروى الطَّحاويِّ وابنُ أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ عن عطاءٍ: أنَّ حَبَشيَّاً وقَعَ في زَمْزَم فمات، فأمَرَ عبدُ الله بنُ الزُّبَير فنُزِحَ ماؤها، فجَعلَ الماءُ لا ينقطعُ، فنُظِرَ فإذا عَيْنٌ تَجرِي مِنْ قِبَل الحجَرِ الأسود، فقال ابنُ الزبير: حَسْبُكم.

وأمَّا ما نُقِلَ عن ابنِ عُيَيْنَة: أنَا بمكَّةَ منذ سَبْعِينَ سنةً لم أرَ صغيراً ولا كبيراً يَعرِفُ حدِيثَ الزّنجيِّ الذي قالوا: إنه وقَعَ في زمزم. وقولُ الشافعي: لا يُعرَفُ هذا عن ابن عباس، كيفَ ويَروِي ابنُ عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم «الماءُ لا يُنَجِّسهُ شيء» ويَترُكُهُ؟ وإن كان قد فَعَله فلنجاسةٍ ظهرتْ على وجهِ الماء، أو للتنظيفِ: فمدفوعٌ بأنَّ عدَمَ عِلمِهما لا يَصْلُحُ دليلاً في دين الله سبحانه، وروايتُهُ الحديثَ كعلمِكَ أنتَ به، وقد قلْتَ بنجاسةِ ما دُونَ القُلَّتَيْنِ لدليلٍ آخَرَ وقَعَ عندك، فلا يُسْتبعَدُ مِنَ ابنِ عباس مِثلُه. والظاهرُ من السَّوْقِ ولفظِ القائل: فمات فأَمَرَ بنَزْحها، أنه للموتِ لا لنجاسةٍ أُخرى، على أَنَّ


(١) أي عينًا تنبع باستمرار، فكلما نزحوا نبع الماء وهكذا. انظر لسان العرب ١٣/ ٤١٠، مادة (معن).
(٢) وضبطها في "العُبَاب" بالفتح! وكذا ضبطها الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>