للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلا فقَدْرُ ماءٍ فيها بقولِ ذي بَصَارة.

===

عندَكَ لا تُنزَحُ للنجاسةِ أيضاً.

ثم إنهما بَيْنَهما (١) وبيْنَ الحادثةِ قريبٌ من مئةٍ وخمسين سنةً، فكان إخبارُ مَنْ أدرَكَها وأثبَتَها أولى مِنْ عدمِ عِلمِ غيرِه.

وقولُ النووي: كيف يَصِلُ هذا الخبرُ إلى أهلِ الكوفة ويَجهلُهُ أهلُ مكة؟ استبعادٌ بعد وضوحِ طريقِ سَدَادٍ، ومُعارَضٌ بقولِ الشافعي لأحمد: أنتُم أعلَمُ بالأخبارِ الصحيحة مِنَّا، فإذا كان خبرٌ صحيح فأعلِمُوني به حتى أذهَبَ إليه كُوفيّاً أو بصريّاً أو شاميّاً. فهلاَّ قال: كيف يَصِلُ هذا إلى أولئك ويَجهلُه أهلُ الحَرَمينِ؟ وذلك لانتشارِ الصحابة رضي الله عنهم في البلادِ خصوصاً بالعراقِ وما حوله من السَّوَاد، قال العِجْليُّ في «تاريخه»: نَزَل بالكوفةِ ألفٌ وخمسُ مئةٍ من الصحابة.

(وإِلا) أي وإن لم يُمكِن نَزْحُ كلِّ ماءٍ في البئرِ لكونِها مَعِيناً (فقَدْرُ ماءٍ) بالهمزة، أي فيُنزَحُ مِقدارُ ماءٍ (فيها) أي في البئر. وفي بعض النُّسَخ: مائِها، أي في وقتِ الوقوعِ يُؤخذُ في قَدْرِهِ (بقول ذِي بَصَارة) بفتح مُوَحَّدة، أي خِبرةٍ ومعرفةٍ بأمر الماء، لأنَّ الرجوعَ إلى أهلِ المعرفةِ أصلٌ شرعي، قال الله تعالى: {فاسأَلوا أهلَ الذِّكرِ إنْ كنتُم لا تَعْلَمون} (٢) .

واعلمُ أنَّ عبارَتَهُ تَقتضي الاكتفاءَ بقول واحد، والذي في غيرِ هذا المختَصَر حتى في «شرح الوقاية»: ويُؤخَذُ بقولَيْ رجُلَين لهما بصيرةٌ بأمْرِ الماءِ. وهو الأشبَهُ بالفقه، وأوفَقُ بقولِهِ تعالى: {يحْكُمُ به ذَوَا عَدْلٍ منكم} (٣) والظاهرُ أنَّ أصلَ العبارةِ ذَوَيْ بصارةٍ على لفظ المُثَنَّى، وأنَّ النُّسَّاخَ أسقَطُوا الواوَ، فتغيَّرَ المبنَى، وترتَّبَ عليه فسادُ المعنَى. ثم رأيتُ أَصْلَ البِرْجَنْدِيِّ على التثنيةِ قالَ: وفي بعضِ النُّسَخ بالإِفراد، وهو مَبنِيٌّ على ما في «زاد الفقهاء»: أنه يَكفي قولُ رجلٍ ذي بَصَارة، والنُّسخةُ الأُولى هي الأَولى لما في «الهداية» و «الظهيرية» وغيرهما.

هذا، وعن أبي حنيفة أنه يُنزَحُ منها مئتا دَلْوٍ. وعن محمدٍ ثلاثُ مئة دلو، قال في «الخلاصة»: وبه يُفتَى.


(١) أي بين ابن عُيَينة والشافعي.
(٢) سورة النحل، آية: (٤٣).
(٣) سورة المائدة، آية: (٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>