للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاب صِفَةِ الصَّلاةِ

فَرْضُهَا: التَّحْرِيمَةُ،

===

بابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

الوصف والصفة مصدران كالوعد والعِدَة، والهاء عوض عن الواو، والمتكلمون فَرَّقُوا بينهما فقالوا: الوصف يقوم بالواصف، والصفة تقوم بالموصوف. والمراد بالصفة ههنا: الهيئة الحاصلة للصلاة بأركانها وعوارضها.

(فَرْضُهَا) أيْ ما لا بد منه فيها: (التَّحْرِيمَةُ) أي تكبيرة الافتتاح. وسميت تحريمة: لأن بها تَحْرُمُ أمورٌ كانت مباحة قبلها، بخلاف سائر التكبيرات بعدها، والتحريم: جَعْلُ الشيء مُحَرَّماً، والهاء لتحقيق الاسمية. وهي شَرْط عندنا، ورُكْنٌ عند مالك، والشافعي، وأحمد، واختاره الطَّحاوي لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث طويل أَخْرَجه مسلم عن مُعَاوِية بن الحَكَم السُّلَمِي: «أنَّ هذه الصلاة لا يَصْلُحُ فيها شيء من كلام الناس، إنما هي: التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن». ولأنه يُشْتَرَط لها، ما يُشْتَرَط للصلاةِ: من استقبال القبلة، والطهارة، وستر العورة.

ولنا قوله تعالى: {وذَكَرَ اسْمَ ربِّهِ فَصَلَّى} (١) والكل لا يُعْطَفُ على جزئه بالفاء، وأُجِيبَ عن الحديث: بأنَّ المراد منه أنَّ الصلاة من جنس التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن، لا بيان فرائض الصلاة، وإلاّ لكان التسبيح فرضاً، وبأنَّا لا نُسَلِّمُ اشتراط الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة للتحريمة، حتى لو أحرم حاملاً للنجاسة، أو مُنْحَرِفاً عن القبلة، أو مكشوف العورة، وأزال ذلك عند الفراغ من التحريمة جاز. ولو سُلِّم اشتراط ذلك للتحريمة، فليس ذلك لنفسها، وإنما هو لأجل ما يتصل بها من الأركان. ولهذا شُرِط لصحتها القيام عند القدرة.

وثمرة الخلاف تظهر في جواز بناء النفل على تحريمة الفرض، فعندنا يجوز، لأنَّ شرط الفرض يَصْلُحُ شَرْطاً للنفل كسائر الشروط. وعندهم لا يجوز، لأنها ركن الفرض، وركن الفرض وجزؤه لا يقع جزأً من النفل.

ثم مُثْبِت فرضيتها، شرطاً كانت أو ركناً، قولُه تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (٢) وقد جاء في التفسير: أنه أُرِيدَ به تكبيرة الافتتاح، ولأنَّ الأَمر للإيجاب، وما ورائها ليس


(١) سورة الأعلى، الآية: (١٥).
(٢) سورة المدثر، الآية: (٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>