للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ يُحْرِمُ بِالحَجِّ كَمَا مَرَّ.

[فَصْلٌ في أَحْكَامِ المَكَي ومَن بمَعْناهُ]

والمَكِّيُّ يُفْرِدُ فَقَطْ

===

قال للنَّاسِ: «مِنْ كانَ مِنْكُم أَهْدَى فإِنَّه لا يَحْلِل مِنْ شيءٍ حَرُمَ منه حتى يَقْضِي حَجَّه، ومَنْ لم يَكُنْ مِنكم أَهْدَى فَلْيَطُف بالبيتِ وبالصفا والمروة، وليُقَصِّر وليَحْلِل».

(ثُمَّ يُحْرِمُ) ثانياً (بِالحَجِّ كَمَا مَرَّ) في المتمتع الذي لا يسوقُ الهَدْي.

(فصلٌ في أحكام المكي ومن بمعناه)

(والمَكِّيُّ) ومَنْ بِمعناه من أَهل داخل الميقات وإِنْ كانَ مسيرةَ سَفَر. وقد اختلف العلماءُ في حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَام، فقال مالك: هُمْ أَهّل مَكَّةَ خَاصَّةً. وقال الشافعيُّ: هم أَهْل مكة ومَنْ يكون مَنْزِلُه مِنْ مكةَ على مسيرةٍ لا يجوزُ فيها قَصْرُ الصلاةِ (يُفْرِدُ فَقَطْ) ولا يَتَمَتعُ ولا يَقْرِن، لما صحَّ عن عُمَرَ: لَيْسَ لأَهْلِ مكةَ تَمَتُّعٌ ولا قِرَانٌ. ومع هذا، فَمَنْ تَمَتَّعَ منهم أَوْ قَرَنَ صَحَّ وكان مُسِيئاً وعليه دَمُ جَبْرٍ لإِساءته، ومِنْ حُكْمِ هذا الدَّم أَنْ لا يقومَ الصَّوْمُ مقامه حال العُسْرةِ.

وقال الشافعيُّ: يتمتعُ المَكِّيُّ ويَقْرِنُ، لأَن قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْي} (١) يَشْملُ المَكِّيَّ كما يَشْمَل غيره. ولنا أَنَّ هذه الآيةَ مخصوصةٌ بِغَير المَكِّي ومَنْ بمعناه، لأَن الإِشارة فيها للتمتع المفهوم. من قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بالعُمْرَةِ} وليست للهَدْي والصومِ كما قال به الشافعيُّ، وإِلاَّ لقيل (٢) «ذلك على مَنْ لم يَكُنْ أَهْلُه حاضري المَسْجِدِ الحَرَامِ»، لأَن الهَدْيَ وبَدَله ـ أَعْنِي الصَّوْمَ ـ واجبٌ على المتمتع، والواجب يُستعمل فيه «على» لا «اللام».

ولو خَرَجَ المكيُّ إِلى الكوفةِ مَثَلاً فَقَرَنَ صَحَّ، لأَنَّ عُمْرَته وحجّته ميقاتيتان، وصار بمنزلة الآفاقي، ولَزِمَهُ دَمُ شُكْرٍ. ولو تَمَتَّعَ لا يصح، لأَنه إِذا تَحَلَّلَ بالعُمْرةِ صارَ من أَهْلِ مَكَّةَ، فيصيرُ الحَجُّ مِنْ وطنه ولا يكونُ بناءً على سَفَرٍ سابقٍ. فعُلم أَنَّ عَدَمَ الإِلْمَامِ (٣) شَرْطٌ لِصحةِ التمتع، فَيَنْتَفِي بانتفائه. ويؤيدُه ما رَوَى الطحاوي عن سعيد


(١) سورة البقرة، الآية: (١٩٦).
(٢) أي: وإلا لقيل في الآية: "ذلك على من لم يكن … "، بدل قوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري … }.
(٣) الإِلمام: زيارة الآفاقي المتمتع أهلَه ومكثه بعد أداء العمرة ثم العودة إلى الحرم. معجم لغة الفقهاء ص: ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>