للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ في الخُلْعِ

لا بَأسَ بِالخُلعِ عِنْدَ الحَاجَةِ

===

الكنايات، والواقع بها بائنٌ. وأمَّا إذا لم ينوِ شيئاً فجَعَلَه المتقدّمون إيلاءً، وهو مختار صاحب «مواهب الرحمان»، وصرفه المتأخِّرون إلى الطّلاق البائن، وهو مختار الفضل، والإسكاف، وأبي بكر بن أبي سعيد، والفقيه أبي جعفر الهِنْدُوَانِيّ. قال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ، لأن العادة جرت أنهم يريدون بهذا اللفظ الطّلاق. والله أعلم.

فصلٌ في الخُلْعِ

وهو بالضمّ لغةٌ في الخَلْع بمعنى النّزع، يقال: خَلَعَ نعله وثوبه.

وشرعاً: أخذ المال بإزاء ملك النّكاح بلفظ الخُلْع. فإنّ الطَّلاق على مالٍ ليس خُلْعاً بل في حكمه من وقوع البينونة لا مطلقاً، وإلاّ يجري فيه الخلاف في أنه فسخٌ. وقيل: إزالة الزّوجيّة ببذل بدَلٍ. (لَا بَأسَ بِالخُلعِ عِنْدَ الحَاجَةِ) لقوله تعالى: {فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيمَا حُدُودَ افَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (١) ، والمراد بالخوف هنا العلم، لأن الخوف من لوازمه. وقيل: الظن، وهو الأظهر. والخطاب للحكام أو لأهل الإسلام، وهذا الشرط خرج مخرج العادة لجواز الخُلْع بدونه.

والمراد بالحدود: ما يلزم الزوجين من مواجب الزّوجيّة، وسمّى ما أعطت فداءً لأنها كالأسير في يده تخلّص نفسها منه. والمعنى: لا جناح على الزّوج فيما أخذ، ولا على المرأة فيما أعطت، ولِمَا في «صحيح البخاريّ» عن ابن عباس: أنّ امرأة ثابت بن قيس أتت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: ثابت بن قيس ما أَعِيب عليه في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم «أَتَرُدِّينَ عليه حديقته»؟ قالت: نعم. قال صلى الله عليه وسلم «اقْبَل الحديقةَ وطلِّقْهَا تطليقةً». (وفي «مصنف ابن أبي شَيْبَة» مكان: «اقبل الحديقة وطلّقهاَ»: فأمره أن يأخذ منها حديقته) (٢) ولا يزداد.

وقال بكر بن عبد الله المُزَنِيّ: الخُلْع غيرُ جائزٍ، لأنّ الآية السابقة منسوخةٌ بقوله تعالى: {وَإنْ أرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنْطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} (٣) . وأجِيبَ: بأنّ شرط النَّسخ العلم بتأخر الناسخ، وتعذّر الجمع بينهما. ولم


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٢٩).
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٣) سورة النساء، الآية: (٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>