للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن إِن قال: شهادتي بالتَّسَامُع، أَو بِحُكْمِ اليَدِ، بَطَلَتْ.

ومَنْ شَهِدَ أَنه حَضَرَ دفنَ زيدٍ، أَو صلَّى عليه، قُبِلْت. وهذا عِيانٌ.

فصل [مَن تُقْبَل شَهَادَتُهُ ومن لا تُقْبَل]

وتُقبل الشهادةُ من أَهلِ الأَهواء

===

وقيد اليدَ بالمتصرف كالمُلاك ليتحقق دليل المِلك بالاتفاق، فإِن الخَصَّاف قال: دليل المِلك اليد مع التصرف. وهو قول مالك والشافعي وابن حامد الحنبلي، لأَن اليد تتنوع إِلى مِلك، ونيابة، وضمان. ولنا أَنْ اليد أَقصى ما يُستدل به على المِلك. إِذْ هي مرجع الدلائل في أَسباب المِلك كلها، فيُكتفى بها. والمذهب عندنا عدمُ شرطِ التصرف لجواز الشهادة لذي اليد.

وعن أَبي يوسف وهو رواية عن محمد: أَنه يُشترطُ مع ما ذكر أَنْ يقع في قلبه أَنه له، ليحصلَ له نوعُ عِلمٍ، لأَن الشهادة بلا علم لا تجوز لقوله عليه الصلاة والسلام: «إِذا عَلِمْتَ مثلَ الشمسِ فاشهد وإِلا فَدع» (١) . ولذا قيل: لو رأَى دُرة ثمينةً في يد كنّاس، أَوْ كتاباً في يد جاهلٍ وليس في آبائه من هو أَهل لذلك، لا يسعه أَنْ يشهد له. وأُجيب أَنّ اليد أَقوى أَسباب ظن المِلك، ولهذا يقضي القاضي به لأَجْلِها.

(لكن) ينبغي للشاهد أَنْ يُطلق في أَداء الشهادة، ولا يقول: إِنها بالتسامع حتى (إِنْ قال: شهادتي بالتسامع، أَوْ بحكم اليد: بطلت) لأَنه قد أَقر بأَنه شَهِدَ بغير علم، ولأَنَّ القاضي إِنما يُلزم بالشهادة إِذا كانت عن عِيان أَوْ عن إِطلاق لاحتمالها المشاهدة، فيحمل عليها، أَما إِذا كانت عن تسامعٍ أَوْ رؤية في يد فإِنها لا تزيدُهُ علماً فلا يجوز له أَنْ يحكم بها (ومَنْ شَهِدَ أَنه حَضَرَ دفن زيد أَوْ صلى عليه: قُبِلْت) شهادته لأَنه شهد عن علم (وهذا عِيانٌ) حتى لو فسّر للقاضي قَبِلَ هذا.

فصل (مَنْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ ومن لا تُقْبَل)

(وتُقبل الشهادةُ من أَهلِ الأَهواء) وهو جمع هوىً، بمعنى مَيَلان النَّفْس إِلى ما يَسْتلذ به الطبع من غير داعية الشرع. قال الله تعالى: {أَفرأَيْتَ مِنْ اتَّخَذَ إِلهَهُ


(١) رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعًا بلفظة ورواه الديلمي عنه بلفظ: "يا ابن عباس لا تشهد إلا على أمر يضئ لك كضياء الشمس". ورواه الطبراني والديلمي أيضًا عن ابن عمر. وقال النجم بعد أن عزاه بلفظ الترجمة للسخاوي: لا يُعرف بهذا اللفظ. وأقول: بل لا يظهر المراد منه، فتأمل. كشف الخفاء ٢/ ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>