للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(السَّبَبُ الدَّاعي لِذِكْرِ الأَدِلَّةِ)

ثم لم يزل أصحابُنا المتقدّمون يَعْتَنُون في كتبهم بذكر الأدلَّة من السُّنَّة، والبحثِ عنها وتبيينِ الصحيحِ والحسن والضعيف ونحوِها، كالطَّحاوي، وأبي بكر الرازي، والقُدُوري وغيرِهم. وإنما قَصَّر في ذلك المتأخرون من أصحابنا لاعتمادهم على ما تقرَّرَ عند متقدِّميهم، فنُسِبُوا إلى هَجْر السُّنَّة والشريعة ولا يَحِلُّ لأحدٍ أن يَنْسُبَ أصحابَنا إلى هذه الخَصْلة الشنيعة.

مع أنَّ المخالفين من الشافعية يَعِيبون على أصحابِنا ما هم واقعون فيه، فلقد أكثَرَ الإِمامُ أبو إِسحاق في «المهذَّب»، وإمامُ الحَرَمين في «النهاية» وغيرُهما مِنْ ذكر الاستدلال بالأحاديث الضعيفة، وقد بيَّنَ ذلك البيهقيُّ من متقدميهم، ثم النوويُّ والمُنْذِريُّ مِنْ متأخِّريهم في عِدة مواضع (١)، بل صَرَّحَ إمامُ الحرمين عن حديثٍ ضعيفٍ بأنه صحيح، وغلَّطه الشيخُ تقيُّ الدين، وابنُ الصلاح، والنوويُّ وغيرُهم.

فهذا الذي أوجَبَ علينا ذِكرَ الأحاديث وتبيينَها، وتعريفَ المُخَرِّجينَ لها وتعيينَها، فإنَّ صاحب «الهداية» لمَّا ذكَرَ أحاديثَ مجملةً في تقوية الدراية بالرواية، من غير إسنادٍ إلى المخرِّجين، صار سبباً لطعنِ بعضِ أحاديثه للمتأخّرين، والله الموفق والمعين.

ولما كان كتابُ «النُّقَاية» مختَصَرُ «الوقاية» التي هي مقتَصَرُ «الهداية» المقبولُ عند أرباب البداية والنهاية، من أوجزِ المتونِ الفقيهة، في مذهب السادة الحنفية، الذين هم قادة ذي المِلَّة الحنيفية، قصدتُ أن أكتب عليه شرحاً غيرَ مُخِلَ ولا مُمِلَ، يُبيِّنُ مُشكلاتِ مَبَانيه، ويُعَيِّنُ مُعْضِلاتِ مَعَانيه، مشحوناً بالأدلة من الكتابِ، والسُّنَّة، وإجماعِ الأُمَّة، واختلافِ الأئمة، وأَكتفي من الفروع بما هو كثيرُ الوقوع، رجاءَ أن أُدرجَ في سلِكْ العلماء العاملين، وأُحشَرَ في زُمرةِ الفقهاءِ الكاملين، فأقول، وبعون الله سبحانه أَحُولُ وأَجُول، وهو حَسْبي ونِعم الوكيل، في أن يَهدِيِني سَواءَ السبيل:

قال المصنِّفُ عُمدةُ العلماء، وزُبدةُ الفضلاء، الجامعُ بين معرفة الفروع والأصول، والحاوي لطريق المنقول والمعقول، صاحبُ «التنقيح» وشرحِهِ «التوضيح» مولانا وسيدُنا صدرُ الشريعة، عُبَيدُ الله بنُ مسعودِ بنِ تاج الشريعة، ـ جعل الله سَعْيَه مِنْ أعلى السعاية، والذريعة إلى مراتب الدرجات الرفيعة، مات في نَيِّفٍ وثمانين وستِّ


(١) عبارة المخطوطة: "من متأخريهم، بل في عدة مواضع صرح إمام الحرمين … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>