للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ [فيمن سَبَقَهُ الحَدَثُ]

مُصَلٍّ سَبقَهُ الَحدثُ تَوَضَّأَ وأتَمَّ، ولَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ،

===

بناء على أنه في حكم المرفوع، فلا دَلَالَة فيه على إبطال الصلاة حال المحاذاة ..

فصلٌ (فيمن سبقه الحدثُ في الصلاة)

(مُصَلَ سَبَقَهُ الحَدَثُ) أي حصل منه بدون اختياره ويسمى الحدث السَّمَاوي (تَوَضَّأَ) بلا توقف (وأتَمَّ) تلك الصلاة ثانياً.

وفيه إشارة إلى أنَّ المراد بالحدث: الموجب للوضوء، دون الغُسْل، إذ لا يصح البناء فيه كما سيأتي. (ولَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ) أي قبل خروجه من الصلاة. وقال مالك والشافعي: يستأنف الصلاة لأنَّ الحدث ينافيها، والانحراف من الصلاة اللازم من الذهاب إلى الوضوء ـ عن القبلة غالباً يُفْسِدُها. فصار كالحدث العمد.

ولنا: ما روى ابن ماجه، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصابه قيء أو قَلَس (١) أو مَذْي (٢) فلينصرف وليتوضأ ثم ليَبْنِ على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم». وروى ابن أبي شَيْبَة: نحوه، موقوفاً على جماعة من الصحابة: منهم الصِّدِّيق، والفاروق، والمُرْتَضَى، وابن مسعود، وغيرهم رَضِيَ الله عنهم. والقلس: خروج شيء بسبب جُشَاء أو سَعْلَة.

فإن قيل: قال الدَّارَقُطْنِيّ: يروونه عن ابن أبي مُلَيْكَة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهو الصحيح. أُجِيبَ بأن المُرْسَل حجةٌ عندنا، وعند الجمهور، كما تقرر في موضعه من الأصول. وقياس الحدث السَّمَاوي على الحدث العَمْدِي لا يصح، لأن الأول فيه بَلْوَى، فجُعِلَ المكلف به معذوراً، بخلاف الثاني.

وأمّا جواز بناء من سَبَقَه الحدث بعد التشهد أو القعود قَدْر التشهد، فعند أبي حنيفة. ووجهه: أنَّ خروج المُصَلِّي بصنعه فرض عنده، فحصول هذا العارض (في هذه الحالة كحصوله في وسط الصلاة. وأما عندهما فبالقعود قَدْرَ التشهد تَمَّت صلاته) (٣) ،


(١) القَلَس: ما خرج من الجوف ملء الفم، أو دونه وليس بقيء، فإن عاد فهو القيء. النهاية: ٤/ ١٠٠.
(٢) المَذْي: البَلَل اللَّزج الذي يَخْرُج من الذَّكر عند مُلاعَبة النساء، ولا يجب فيه الغُسْل. النهاية: ٤/ ٣١٢.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>