للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ.

===

فحصول هذا العارض حينئذٍ كحصوله بعد السلام.

(والاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ) لأن فيه تَحَرُّزاً عن شُبْهَة الخلاف، لا واجب كما قال مالك والشافعيّ، وهو القياس، لوجود المُنَافي لشرط الصلاة، وهو الطهارة. ووجود المشروط بدون الشرط محال، ويَعَضُدُه قوله صلى الله عليه وسلم «إذا فسا أحدكم في الصلاة، فلينصرف فليتوضأ، ولْيُعِدْ صلاته». رواه أبو داود والتِّرْمِذِي والنَّسائي. وقوله: «إذا رَعَف (١) أحدكم في صلاته فَلْيَغْسِلْ عنه الدَّم، ثم ليُعِدْ وُضُوءَه، ولْيَسْتَقْبِلْ صلاته». رواه الطَبَرَانِيّ وغيره.

وأُجِيبَ: بأنَّ في سند كل منهما ضَعْفاً. وروى أبو داود وابن ماجه، عن هِشَام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة رَضِيَ الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا صلّى أحدكم فأحدث فلْيأخذ بأنفه ثم لينصرف». وروى الدَّارَقُطْنِيّ أيضاً عن عاصم بن حَمْزَة، والحارث، عن عليّ كرَّم الله وجهه قال: «إذا أمَّ الرجل القوم فوجد في بطنه ورماً (٢) ، أو رُعَافاً، أو قَاءَ، فليضع ثوبه على أنفه، ولْيَأْخُذ بيده رَجُلاً من القوم فَلْيُقَدِّمْهُ». الحديث ضعيف أيضاً. وتقدَّم أن الحارث كَذَّاب، وعاصم فيه بعض شيء. وروى الدَّارَقُطْنِي أيضاً مرفوعاً: وضَعُ اليد على الأنف حين الانصراف فقط. وهو ضعيف أيضاً.

والحاصل: أنه لم يصح في هذا الباب شيء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأما قول صاحب «الهداية»: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلّى أحدكم فقاء أو رَعَفَ، فلْيَضَع يده على فمه (٣) ، ولْيُقَدِّمْ مَنْ لم يُسْبَقْ بشيء». فقوله: «من لم يُسْبَقْ بشيء» غير معروف في كتب الحديث. لكن ذكر أصحابنا: أن الأوْلى للإمام أن يُقَدِّم مُدْرِكاً، لأنه أقدر على إتمام صلاته. وذكر القاضي أبو العبّاس عن إمام الحرمين في «النهاية»، وعن الغزالي في «البسيط»: أن حديث: «من قاء أو رَعَفَ أو أمْذَى في صلاته، فلينصرف وليتوضأ، ولْيَبْنِ على صلاته ما لم يتكلم». في كتب الصحاح. وهو وَهْمٌ منهما، وعذرهما أنهما لا معرفة بالحديث لهما، لأنهما ليسا من أهل هذا الشأن. والله المستعان.


(١) رَعَفَ: الرُّعاف: الدم يَخْرُج من الأنف. مختار الصحاح، ص: ١٠٤ مادة (رعف).
(٢) الورم: الانتفاخ، المعجم الوسيط ص: ١٠٢٧، مادة (ورم)، ويريد به القرقرة، وأمَرَه بالوضوء لئلا يدافع أحد الأخبثين.
(٣) في المخطوطة: أنفه، وفي المطبوع: فيه. والصواب ما أثبتناه من متن "الهداية": "فتح القدير" ١/ ٣٣٠، و"نصب الراية" ٢/ ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>