للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ القَضَاءِ

أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ، وَيَصِحَّانِ مِنَ الفَاسِقِ، لَكِنْ لا يُقَلَّدُ وَلا يُقْبَلُ. وَلَوْ فَسَقَ العَدْلُ يُعْزَلُ، وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ. وَمَنْ أَخَذَهُ بِالرِّشْوَةِ لا يَصِيرُ قَاضِيًا،

===

كتاب القَضَاءِ

هو لغةً: الفَرَاغ عن الأمر، ومنه قوله تعالى: {قُضِيَ الأَمْرُ} (١) .

وشرعاً: إلزام الحكومات، وفصل الخصومات، وقطع المنازعات. وهو فرض كفاية بالإجماع، فإن لم يصلح للقضاء إلاّ واحدٌ تعيّن عليه.

(أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أي يُشترط فيمن يفوَّض إليه القضاء أن يكون من أهل الشهادة، يعني: حرّاً مكلفاً مسلماً، وذلك لأنّ ولاية القضاء كالفرع لولاية الشهادة، إذ حكم القضاء يُبتنى على حكم الشهادة.

(وَيَصِحَّانِ) أي الشَّهادة والقضاء (مِنَ الفَاسِقِ) لأنّ العدالة فيهما شرط الأولوية، لأن السلف أجازوا حُكْمَ مَنْ تغلّب من الأمراء وجار، ولولا صحته لما فعلوا ذلك. وفي «وسيط الغزالي»: اجتماع هذه الشرائط من الاجتهاد والعدالة وغيرهما متعذِّر في عصرنا لِخُلوّ العصر (٢) عن المجتهد والعَدْل، فالوجه تنفيذ قضاء كلّ مَنْ ولاّه سلطانٌ ذو شوكة، وإن كان جاهلاً فاسقاً. (لَكِنْ) ينبغي أنّه (لَا يُقَلَّدُ) الفاسق القضاء (وَلَا يُقْبَلُ) إذا شهد، لأنّ الفاسق لا يُؤْمن، لقلة مبالاته بواسطة فِسْقه.

(وَلَوْ فَسَقَ) القاضي (العَدْلُ) بأخذ الرِشْوَة أو بغيره كالزنا وشرب الخمر (يُعْزَلُ) أي يستحقّ العزل في ظاهر المذهب، وعليه مشايخ بخارى وسَمَرْقَنْد. ومعنى يستحق العزل: أنّه يجب على السلطان عزله. (وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ) بمجرد الفسق ولا يصحّ قضاؤه بعد ذلك، كما لا تقبل شهادته، وهو قول مالك والشّافعيّ (وأحمد) (٣) . واختاره الكَرْخِيّ والطَّحَاوِيّ وعليّ الرَّازي صاحب أبي يوسف، وهو اختيارٌ حسنٌ لعدم ائتمان الفاسق على حقوق النَّاس.

(وَمَنْ أَخَذَهُ) أي القضاء (بِالرِّشْوَةِ لا يَصِيرُ قَاضِياً) وكذا لا ينفذ قضاؤه في الأمر الذي أخذ الرِّشْوَة لأجله. قال القاضي فخر الدين: أجمعوا أنه إذا ارتشى لا ينفذ قضاؤه فيما ارتشى، وقال: إذا أَخَذَ القضاء بالرِّشْوَة لا يصير قاضياً، ولو قضى لا ينفذ


(١) سورة يونس، الآية: (٤١).
(٢) عبارة المطبوع: متعذّر في عصر يخلو عن المجتهد، والمثبت عبارة المخطوط.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>