للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأوقات المستحبة]

ويُسْتَحبُّ لِلفَجرِ البَدَاءَةُ مُسْفِرًا،

===

فهذه الروايات صريحة بأنَّ صلاته كانت قبل أن يغيبَ الشَّفق، فتُحْمَل رواية غيبوبته على القرب منها، توفيقاً بينهما. فإنْ قيل: روى أبو الطُّفيل عن مُعَاذ بن جبل: «أنه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، أخَّرَ الظهر حتى يجمعها مع العصر، فيصليهما جميعاً. وإذا ارتحل بعد زيْغ الشمس، صلّى الظهر والعصر جميعاً، ثم سار. وكان إذا ارتحل قبل المغرب، أخَّر المغرب حتى يصليها مع العشاء. وإذا ارتحل بعد المغرب، عجَّل العشاء فصلاّها مع المغرب». رواه أحمد وغيره. قلنا: قال أبو داود: وليس في تقديم الوقت حديث قائم. وقال الحاكم: حديث أبي الطُّفيل موضوع، ولذا لم يذكر الطَّحَاوي هذه الرواية عن أبي الطُّفيل. وأما الجمع في عرفة والمُزْدَلِفة، فثابت على خلاف القياس، فلا يُلحق غيره به.

[(الأوقات المستحبة)]

(ويُسْتَحَبُّ للفَجْرِ البَدَاءَةُ مُسْفِراً) يقال: أسفر الصبح إذا أضاء، ومنه قوله تعالى: {والصُّبْح إِذَا أَسْفَرَ} (١) . وأسفر بالصلاة، أي صلاها في وقت الإسْفار. قال الطَّحَاوِي: ويستحبَ البَدَاءَةُ مُغلِّساً، والختم مُسْفِراً، واختاره بعض الشافعية. وقال مالك والشافعي، وهو أقوى الروايات عن أحمد: يستحب التعجيل لِمَا في «الصحيحين» من حديث عائشة قالت: «إنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلّي الصبح، فينصرفُ النساء مُتَلَفِّعَات (٢) بمُرُوطِهنَّ (٣) ، ما يُعْرَفْنَ من الغَلَسِ (٤) »، لكنه معارَض بقول ابن مسعود: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجَمْع، وصلّى الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها»، مع أنه كان بعد طلوع الفجر، لما في البخاري: «والفجر حين بزغ الفجر». وفي مسلم: «قبل ميقاتها بغَلَس».

فعُلم أن المراد قبل ميقاتها الذي اعتاد الأداء فيه، لأنه غلَّس بها يومئذ ليمتد وقت الوقوف، وتُرَجَّح روايته على حكايتها، لأن الحال أكشف له منها، أو يحمل حكاية التغْلِيس على ما قبل الإسْفار جداً، أو على تغليس المسجد. وقد أخرج الطَّحَاوي بسند صحيح عن إبراهيم النَّخَعي أنه قال: ما اجتمع أصحاب


(١) سورة المدّثر، الآية: (٣٤).
(٢) مُتَلَفِّعات: أي مِتَلفِّفات. النهاية: ٤/ ٢٦٠.
(٣) مُرُوطِهنَّ: أي أَكسِيتِهِنَّ. النهاية: ٤/ ٣١٩.
(٤) الغَلَس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. النهاية: ٣/ ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>