للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلْ [ضَمَانُ الأَجِيرِ]

الأَجِيْرُ المُشْتَرَكُ لا يَسْتَحِقُّ الأَجْرَ إِلَّا بالعَمَلِ، ولَهُ أَنْ يَعْمَلَ للعَامَّةِ، كالقَصَّار ونَحْوِهِ. ولا يَضْمَنُ ما هَلَكَ في يَدِهِ وإِنْ شُرِطَ عليه الضَّمَانُ،

===

(حكم إِجارة بيته للمعصية)

وإِجارة مُسْلِم بيته ليباعَ فيه خَمْرٌ أَوْ نفسه لحملها، مَكْرُوهٌ عند أَبي حنيفة، وفاسِدٌ عندهما. لأَن الحمل سببٌ للمعصية فكانت معصية، والعَقْد على المعصية لا يصح، وقد لَعَن النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الخمر منهم: حاملها. وله أَنَّ العَقْد وَاقِعٌ على الفِعْل، وأَنه معلومٌ فيصح العقد فيه، والمعصية والحرام هو الشرب والبيع، وهو منفصل عَمَّا وقع عليه العقد فلم يوجد الفسادُ فيه، بل الكراهة، لأَن اللعن متعلق به لِمَعْنىً جاوره، كالبيع وقتَ النداء، والله أَعلم.

فصل (ضَمَانُ الأَجِيرِ)

(الأَجِيْرُ المُشْتَرَكُ): وهو مَنْ لا يجب عليه أَنْ يختص بواحدٍ من الناس (لا يَسْتَحِقُّ الأَجْرَ إِلاَّ بالعَمَلِ)، كخياطة هذا الثوب، أَوْ صَبْغه لأَن المعقود عليه حقيقة العمل أَوْ أَثَرُهُ (ولَهُ أَنْ يَعْمَلَ للعَامَّةِ،) أَي لكل أَحَدٍ، لأَن منافعه غير مستحقة لواحِدٍ (كالقَصَّار (١) ونَحْوِهِ) وذلك لأَن المعقود عليه إِذا كان هو العمل أَوْ الوصف الذي يحدث في العين بعمله، لا يمتنع عليه أَنْ (ينقل) (٢) مثل ذلك العمل لغيره، لأن ما استحقه أَولاً في حكم الدَّيْن في ذمته، ولهذا سُمِّي مُشْتَرَكَاً، لأَن له أَنْ يعمل لِمَنْ شاء، ولم تَصِر منافعه مستحقة لواحدٍ.

(ولا يَضْمَنْ ما هَلَكَ في يَدِهِ) من غير تَعَدَ منه، (وإِنْ) كان (شُرِطَ عليه الضَّمَانُ). والمعنى: أَنْ المتاع في يده أَمانةٌ عند أَبي حنيفة، لحصول القبض بإِذنه لمنفعةٍ وهي إِقامة العمل فيها له، فلا تكون مضمونةً عليه، كالمودَع. وبه أَخَذَ زُفَر، والحسن بن زياد، وأَحمد وإِسحاق والمُزَنِي والشافعي في قول، وهو القياس، سواء هلك بِأَمْرٍ يمكن التحرز عنه، كالسرقة والغَصْب، أَوْ بِأَمرٍ لا يمكن التحرز عنه، كالحريق الغالب، والغارة الغالبة، والمكابرة (٣) . وقال أَبو يوسف ومحمد: إنه مضمون عليه إِنْ


(١) القصَّار: المُبيِّض للثياب. وكان يُهيِّأ النسيج بعد نَسْجِه ببلِّه ودقِّه بالقَصَرَة - القطعة من الخشب - "المعجم الوسيط" ص ٧٣٩، مادة (قصر).
(٢) في المطبوعة: يتقبل، وما أَثبتناه من المخطوطة.
(٣) المكابرة: المغالبة على الأهل أو المال، ونحو ذلك، معجم لغة الفقهاء ص ٤٥٥. وعَبَّر في "الهداية" بـ: "العَدُوّ المكابر". وهو أوضح. انظر "فتح القدير" ٨/ ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>