للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ في استيلاءِ الكُفَّار

يَمْلِكُ بَعْضُ الكُفَّارِ بَعْضًا، وَأَمْوَالَهُمْ وَأَمْوَالَنَا: بِالاسْتِيلاءِ وَالإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ،

===

قال فأخبرته. قال: فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: «يا خالد لا تردّ عليه، هل أنتم تاركو لي أمرائي؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كَدَرُهُ».

فصلٌ ـي اسْتِيلَاءِ الكُفَّارِ

(يَمْلِكُ بَعْضُ الكُفَّارِ بَعْضاً) يعني أنفسهم إذا استولى بعضهم على بعض (وَأَمْوَالَهُم) كذلك بالاستيلاء كما يملك به المسلم (وَ) يملك بعض الكفار (أَمْوَالَنَا بِالاستِيلَاءِ وَالإِحْرَازِ بِدَارِهِم) وقال مالك: يملكونها بمجرد الاستيلاء، وعن أحمد رواية كقول مالك، وأخرى كقولنا. وقال الشافعيّ لا يملكونها، لأن استيلاءهم محظورٌ ابتداءً عند الأخذ في دار الإسلام وانتهاءً عند الإحراز بدارهم لبقاء عصمة المال. إذ سببها إسلام صاحبه لقوله عليه الصلاة والسلام: «فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم» (١) . وصار هذا كاستيلاء المسلم وكاستيلائهم على رقابنا، والكفار مخاطبون بالمحظورات بالإجماع كالزنا والربا.

ولنا قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ} (٢) الآية. والفقير: من لا ملك له، فلو لم يملك الكفار أموالهم باستيلائهم عليها لكانوا أغنياء ولم يُسموا فقراء، ولأنّ الأصل في الأموال الإباحة وعدم العصمة لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا في الأَرْضِ جَمِيعاً} (٣) وإنما يحصل الاختصاص والعصمة بسبب من الأسباب كالشراء ونحوه ضرورة التمكن من الانتفاع به بلا منازعة، فإذا زال التمكن بسبب إحراز الكفَّار له بدارهم عاد إلى الأصل، وصار كالصيد ونحوه من مباح الأصل فيملكونه، بخلاف استيلاء المسلم على مال المسلم، لأن تمكنه من الانتفاع به قائمٌ، فيبقى اختصاصه به وعصمته له، وبخلاف رقابنا لأنها لم تُخْلَق محلاً للتملك، لأن الآدمي خُلِق ليَمْلِك لا ليُمْلَك، وإنما يثبت فيه محلية الملك بالكفر العارض، وبخلاف ما إذا لم


(١) سبق تخريجه ص ٢٧، التعليقة رقم (٢).
(٢) سورة الحشر، الآية: (٨).
(٣) سورة البقرة، الآية: (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>