للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلُ في مَصْرفِ الزَّكَاةِ

===

ودانوا ذلك، وقالوا: مَنْ أَذنب صغيرةً أَوْ كبيرةً فقد كَفَرَ وحَلَّ قَتْلُه إِلاَّ أَنْ يتوب، وتمسكوا بظاهرِ قوله تعالى: {ومَنْ يَعْصِ اللَّهَ ورسولَهُ فإِنَّ له نارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فيها} (١) ، فإِذا ظهر هؤلاء على بلدة فيها أَهلُ العدل فأَخذوا الخَراج وصدقة السوائم، ثم ظهر عليهم (٢) الإِمامُ، لا يأْخذ منهم شيئاً ثانياً، لأَنه لم يَحْمِهم، والجباية بالحماية.

وأفتوا بأَنْ يُعيدوا الزكاة دون الخراج، وهو اختيار أَبي بكر الأَعمش، لأَنهم مصارف الخَراج لكونهم مقاتِلَة، حتى إِذا ظهر عَدُوٌّ ذَبُّوه عن دار الإِسلام. وأَمَّا الصدقات فَمَصْرِفُها الفقراء وهم لا يصرفونها إِليهم. وقيل: إِذا نوى بالدفع التصدّقَ عليهم يسقط، وهو المحكي عن الفقيه أَبي جعفر، وكذا الدَّفْع إِلى كلَ جائرٌ، لأَنهم بما عليهم من التَّبِعات فقراء. والإِفتاء بالإِعادة أَحْوط، بناءً على أَنَّ عِلْم من يأْخذ لما يأخذ شرط، وهذا يقتضي التعميم في الإِعادة للأَموال الباطنة والظاهرة سوى الخراج. وقد لا يبنى على ذلك، بل على أَنْ المقصود من شرعية الزكاة سَدُّ خَلَّة (٣) المحتاج وذلك يَفُوت (٤) بالدفع إِلى هؤلاء.

وقال الحاكم الشهيد: هذا يعني السقوط في صدقات الأَموال الظاهرة. وأَمَّا إِذا صادره ظالم، فنوى عند الدفع أَداء الزكاة إِليه فعلى قول طائفةٍ يجوز، والصحيح أَنه لا يجوز، لأَنه ليس لظالم ولايةُ أَخْذِ زكاةِ الأَموال الباطنة. والله تعالى أَعلم.

فصلٌ في مَصْرِفِ الزكاةِ

والأَصل فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ للفُقَرَاءِ والمَسَاكِينَ والعَامِلِينَ عَلَيْها والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفي الرِّقاب والغَارِمينَ وفي سبيل اللهِ وابنِ السَّبِيلِ} (٥) ، فذكر تعالى ثمانية أَصناف، وقد سقط منها «المؤلّفة قلوبهم»، لما روى ابن أَبي شيبة عن عامر الشَّعْبي أَنه قال: «إِنَّمَا كانت المؤلّفة على عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فلما وَلِيَ أَبو بكر انقطعت.


(١) سورة الجن، الآية: (٢٣).
(٢) أي على أهل البلدة.
(٣) الخَلَّة: الحاجة والفقر. مختار الصحاح ص: ٧٩، مادة (خلل).
(٤) في المطبوعة: يفرق، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٥) سورة التوبة، الآية: (٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>