للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَلُ في تَفْوِيضِ الطَّلاقِ

تَفْوِيضُ طَلاقِهَا إلَيهَا يَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسِ عِلْمِهَا،

===

بائناً مثله: كـ: أنتِ بائنٌ أنتِ حرامٌ. وقد نظم بقوله:

*وكُلُّ طَلَاقٍ بَعْدَ أُخْرَى وَاقِعٌ ** سِوَى بائن مَعْ مِثْلِهِ لا يُعَلَّقُ وهذا عندنا، وعند الشافعيّ لا يلحق البائن الصريح كما لا يلحق البائن حتى لو قال لها بعد الخُلْع: أنتِ بائن لا يقع اتفاقاً. أمّا عندنا فلأنّ البائن لا يلحق البائن، وأمّا عنده فلأن الخُلْعَ فسخٌ في أحد قوليه. ولأنّ الرَّجْعِيّ لا يلحق البائن عنده. ولو قال لها بعد الخُلْع أو الطّلاق على مالٍ: أنتِ طالقٌ يقع عندنا، وعنده لا يقع. له: أنّ هذا تصرفٌ لَم يصادف في محله فيلغو، وهذا لأنّ الطَّلاق شُرِعَ لإزالة ملك النِّكاح، وقد زال بالخُلْع أو الطَّلاق على مالٍ، فلا يقع الطّلاق بعده كما بعد انقضاء العِدّة.

ولنا: قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (١) يعني الخُلْعَ، ثم قال: {فإنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} (٢) والفاء للوصل والتعقيب، فيكون هذا تنصيصاً على وقوع الطلقة الثَّالثة بعد الخُلْع. وعن أبي سعيد الخُدْرِيّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «المُخْتَلِعَةُ يلحقها صريح الطَّلاق ما دامت في العدّة». رواه أبو يوسف في «الأمالي» بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وبه قال ابن مسعود، وعِمْران بن الحُصَيْن، وأبو الدَّرْدَاءِ، وسعيد ابن المُسَيَّبِ، وشُرَيْح، وطَاوسُ، والزُّهْرِيّ، والنَّخَعِيّ، والحَكَمُ، وحَمَّاد، ومَكْحُول، وعطاء، والثَّوْرِيّ، والله تعالى أعلم.

فصلٌ في تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ

(تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا) بأنْ قَالَ لها: طلِّقي نفسكِ (يَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسِ عِلْمِهَا) غائبةً كانت أو حاضرةً، فتطلِّق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك، وإنْ قامت منه أو أخذت في عملٍ آخرٍ، خرج الأمر من يدها. وقال مالك في رواية، والشافعيّ في القديم: لا يتقيّد بالمجلس وقال أحمد: لا يتقيد الأمر باليد بالمجلس.

لنا: ما روى عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن ابن مسعود أنّه قال: إذا ملَّكها أمرها، فتفرقا قبل أنْ ينقضي شيءٌ فلا أمر لها. وما رَوَى أيضاً عن جابر بن عبد الله أنه قال: إذا خيَّر الرَّجل امرأته، فلم تختر في مجلسها ذلك، فلا خيار لها. وما رَوَى أيضاً هو وابن


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٢٩).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>