أبي شَيْبَة عن عمر بن الخَطَّاب، وعثمان بن عفَّان أنهما قالا: أيما رجلٍ ملَّك امرأته أمرها وخيّرها ثم افترقا من ذلك المجلس، فليس لها خيار وأمرها إلى زوجها. وأسنده ابن أبي شَيْبَة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد قال به عطاء ومجاهد والشَّعْبِيّ والنَّخَعِيّ والأوْزَاعِيّ وسُفْيَان.
وقال محمد: بلغنا عن عمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وجابر في الرَّجل يخيّر امرأته: أنّ لها الخِيار ما دامت في مجلسها ذلك، فإذا قامت من مجلسها فلا خِيار لها. وقال الزُّهْرِيّ وقَتادة وأبو عُبَيْد بن نصر: يبقى أمرها بيدها في ذلك المجلس، وفي غيره. وحكى صاحب «المُغْنِي» هذا القول عن عليّ كَرَّم الله وجهه.
قلنا: لم تستقر الرواية عن عليّ، إذ قد رُوِيَ عنه كالجماعة، فكان ذلك إجماعاً من الصحابة.
قال البَيْهَقِيّ: وقد تعلَّق بعض مَنْ يجعل لها الخِيار ولو قامت من المجلس بحديث تخيير عائشة، وهو في الصحيحين:«إنّي ذاكرٌ لكِ أمراً، فلا عليكِ أنْ لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويكِ». وهذا الاستدلال غير ظاهر، لأنّه صلى الله عليه وسلم لم يخيّرها في إيقاع الطَّلاق بنفسها، وإنما خيّرها على أنها إن اختارت نفسها أحدث عليها الطَّلاق، لقوله تعالى:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}(١) . انتهى.
(إلاّ أنْ يَقُولَ: كُلَّمَا شِئْتِ، أَوْ مَتَى شِئْتِ، أَوْ إذَا شِئْتِ) فإنّه لا يتقيّد بمجلس عِلْمها، لأنّ هذه الألفاظ عامةٌ في الوقت، فصار كأنه قال: طلِّقي نفسك أيّ وقت شِئْتِ، وفي كُلَّما شِئْتِ لها أنْ توقع ثلاث طلقاتٍ متفرقاتٍ، وليس لها أنْ توقعها جملةً، لأن «كُلَّمَا» تعمُّ الأفعال والأزمان عموم الانفراد لا عموم الاجتماع، إلاّ أنّ اليمين تنصرف إلى الملك القائم، فلا تملك الإيقاع بعد وقوع الثَّلاث إذا رجعت إليه بعد زوجٍ آخرٍ.
ولو طَلَّقَتْ نفسها ثلاثاً جملةً لا يقع شيءٌ عند أبي حنيفة، ويقع واحدةٌ عندهما، بناءً على أن إيقاع الثلاث إيقاع للواحدة أمْ لا؟ ويؤيد قولهما رميُ الحصيات السبع جملةً حيث يقع عن واحدة اتفاقاً.
(بِخِلَافِ إنْ شِئْتِ) فإنَّه يتقيَّد بمجلس علمها لعدم ما يدلُّ على عموم الوقت. (وَلَا يَرْجِعُ) من فوّض الطّلاق إلى امرأته (عَنْهُ) لأنّ التفويض فيه معنى اليمين، فإنه