للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ في حَدِّ الشُّرْبِ

مَنْ أُخِذَ بِرِيحِ الخَمْرِ، أَوْ سَكْرَانَ زَائِلَ العَقْلِ بِنَبِيذٍ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ مَرَّةً صَاحِيًا، أَوْ شَهِدَ بِهِ رَجُلانِ،

===

لجواز أَنْ يكون في الزنا وغيره، فلا يحدّ بالاحتمال، بخلاف ما لو زاد: هو كما قلت، فإِنه ليس فيه احتمال غيره. واختلاف الشاهدين في زمان القذف أَوْ مكانه غير مانعٍ من قَبُول الشهادة عند أَبي حنيفة، وردّها صاحباه، كما لو اختلفا في قذفه بالعربية والعجمية.

فصلٌ في حَدِّ الشُّرْبِ

(مَنْ أُخِذَ بِرِيحِ الخَمْرِ) حالة الأخذ وإِن زالت رائحتها قبل الوصول إِلى الحاكم لبعد الطريق (أَوْ) أُخِذَ (سَكْرَانَ زَائِلَ العَقْلِ) هذا بيان للسكران في حقّ الحدّ، وتفسيرٌ له على قول أَبي حنيفة، وهو مَنْ لا يعرف الرجال من النساء، ولا الأرض من السماء، لأن الحدّ عقوبةٌ فاعتبرت النهاية في سببه احتيالاً لدرئه، ويؤيّد ذلك قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (١) حيث عبَّر عن الصحو بالعلم بالقول، فكان السُكْر الذي هو ضدّه عدم العلم بذلك. وإِنما قلنا في حقّ الحدّ، لأن السُّكْرَ في حق الحرمة عند أَبي حنيفة اختلاط الكلام أَخذاً بالاحتياط في الحرمة.

وقال أَبو يوسف ومحمد ومالك والشَّافعي وأَحمد: السكران مطلقاً أَي في حقّ الحدّ، وفي حقّ الحرمة: هو الذي يختلط في كلامه بحيث يصير يَهْذي، ويختلط جِدُّه بهزله، ولا يستقر على شيء في جوابٍ ولا خطابٍ. قال في «المَبْسُوط»: وإِليه مال أَكثر المشايخ واختاروه للفتوى، لأنه هو المتعارف، ولقول عليَ كرَّم الله وجهه: فإِنه إِذا شرب سَكِر، إِلى آخره. وعن ابن الوليد قال: سأَلت أَبا يوسف عن السَّكْران الذي عليه الحدّ. قال: أَنْ يُسْتَقَرأَ: «قل يأَيها الكافرون» فلا يقدر على قراءتها، فقلت: لِمَ عيَّنت هذه السورة، وربّما أَخطأَ في قراءتها الصاحي؟ فقال: لأن تحريم الخمر نزل فيمن شرع في قراءتها فلم يستطع، أَي بل قرأَ: أعبد ما تعبدون.

(بِنَبِيْذٍ) متعلق بالسكران والمراد نبيذٌ محرَّم (أَوْ أَقَرَّ بِهِ مَرَّةً) وقال أَبو يوسف وزُفَر: مرتين في مجلسين (صَاحِيَاً) قيّد به، لأن إِقرار السكران بالشُّرب لا يُعْتَبر لقوة احتمال الكذب في كلامه، فلا يُعْتَبر فيما يندرِاءُ بالشبهة (أَوْ شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ) لا


(١) سورة النساء، الآية: (٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>