للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ المَفْقُودِ

هُوَ غَائِبٌ لَم يُدْرَ أَثَرُهُ، حَيٌّ في حَقّ نَفْسِهِ. فَلا تُنْكَحُ عِرْسُهُ، وَلا يُقْسَمُ مَالُهُ، وَلا تُفْسَخُ إِجَارَتُهُ.

وَيُقِيمُ القَاضِي مَنْ يَقْبِضُ حَقَّهُ، وَيَحْفَظُ مَالَهُ، وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِه وَأبَوَيْهِ وَعِرْسِهِ.

===

كتاب المَفْقُودِ

(هُوَ) لغةً: مفعولٌ من فقدت الشيء: غاب عَنِّي، وشرعاً: (غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ أَثَرُهُ) أي موضعه ولا حياته ولا موته مع جَدِّ أهله في طلبه. وحكمه أنّه (حَيٌّ في حَقّ نَفْسِهِ) استصحاباً للحال. (فَلَا تُنْكَحُ عِرْسُهُ) ولا يفرّق بينه وبينها، لأنّ النِّكاح حقّه، وهو حيٌّ في حقّ نفسه، والتفريق بالإيلاء لدفع الظلم، ولا ظلم من المفقود. (وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ) لأنه حيّ في حقّ نفسه، فكذا في ماله لأنّه تبعٌ له. (وَلَا تُفْسَخُ إِجَارَتُهُ) لأن الاستصحاب يصلح لإبقاء ما كان، وهذا منه.

(وَيُقِيمُ القَاضِي مَنْ يَقْبِضُ حَقَّهُ وَيَحْفَظُ مَالَهُ) لأنّ القاضي نُصِبَ ناظراً لكل عاجزٍ عن النظر لنفسه، والمفقود بهذه الصفة بل أقوى. وفي نصب الحافظ لماله نظرٌ، له فصار كالصبيّ والمجنون. (وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ) لأنّه لمّا تعذّر حفظه له بصورته، كان النظر له في حفظه بمعناه وهو ثمنه. أمّا ما لا يَخاف فساده فلا يبيعه، لأنّ القاضي لا ولاية له على الغائب إلاّ في حفظ ماله.

(وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِه وَأَبَوَيْهِ وَعِرْسِهِ) لأنّ الأصل أنّ كلَّ من يستحقّ النَّفقة في ماله حال حضرته بغير قضاء القاضي، يُنْفَقُ عليه من ماله عند غيبته، لأنّ القضاء حينئذ يكون لإعانته، وكلُّ من لا يستحقها في حضرته إلاّ بالقضاء لا يُنْفَقُ عليه في غيبته، لأنّ النفقة حينئذٍ بالقضاء، وهو على الغائب ممتنع. فمن الأول: الوَالِدان والأولاد الصِّغار والإناث الكبار والذكور الزَّمْنَى (١) الكبار. ومن الثاني: الأخ والأخت والعمّ والعمّة والخال والخالة. وإذا لم يكن للمفقود مالٌ وطلبت الزوجة من القاضي أن يقضي لها بالنفقة عليه، كان أبو حنيفة يقول: يُجيبها إلى ذلك، وهو قول إبراهيم ثم رجع إلى قول شُرَيْح. وقال: لا يجيبها إليه، ووجه قوله الأول: حديث هِنْد (٢) . ووجه قوله الآخر: إن نفقة الزّوجة لا تصير ديناً إلاّ بقضاء القاضي، وليس له أن يوجّه


(١) الزَّمَانَةُ: مرضٌ يدوم زمانًا طويلًا. المعجم الوسيط ص ٢٥٦، مادة: (زمن).
(٢) ونصه عن عائشة قالت: إن هندًا بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس =

<<  <  ج: ص:  >  >>