للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ صَلاةِ الخَوْفِ

إِذَا اشْتَدَّ خَوْفُ العَدُوِّ

===

ويُغَسَّل المقتول بِحَدَ أَوْ قَوَدٍ (١) ويُصَلَّى عليه بالاتفاق، لما في «مصنف ابن أبي شيبةَ»: حدثنا أَبو معاويةَ عن أَبي حنيفة، عن عَلْقَمَة بن مَرْثد، عن أَبي بُرَيْدة، عن أَبيه: «لما رُجِم ماعزٌ قالوا: يا رسولَ اللهاِ، ما نصنع به؟ قال: اصْنَعُوا به ما تَصْنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط والصلاة عليه». ولأَبي يوسف قول جابر بن سَمُرَة: «أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتي بِرَجلٍ قَتَل نَفْسَه بمَشَاقِصَ (٢) ، فلم يُصَلِّ عليه». رواه مسلم. ويجاب: بأنَّ الظاهر أَنَّه صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ عليه، وينبغي أَنْ يكون الإِمام كذلك، وأما غيره فيصلِّي عليه لقوله صلى الله عليه وسلم «صلّوا على كل بَرَ وفاجر» (٣) ، لأَن الوجوب اليقيني لا يسقط بالأَمْرِ الظَّنِّي. ومَنْ قُتِل لِظُلمه يُغَسَّل ولا يُصَلَّى عليه، لأَنه سَاعٍ بالفساد، كذا في «المنتقى»، والله أعلم بالصواب وإِليه المَرْجِعُ والمآب.

بابُ صلاةِ الخوف

الأَنسب أنْ يقال «فصل»، ولا يُجعل بينه وبين صلاة المسافر فصل.

وقد قال الله تعالى: {وإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (٤) الآية، واستدل بظاهرها الحسن البصري وأَبو يوسف، والمُزَني من الشافعية. وأَنكروا مشروعيتها بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم لأَن فيها أفعالاً منافيةً للصلاة، فَيُقتصر فيها على مَوْرِد الخطاب، وهو كون النبيّ صلى الله عليه وسلم إِماماً للأَصحاب. وللجُمْهور أَنَّ إِقامة الصحابة لها بعده صلى الله عليه وسلم دليل على تعميم الحكم للأَنام في سائر الأَيام، وأَن معنى الآية: كنت فيهم أَنت أَوْ مَنْ يقوم مَقَامَك كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالهِمِ صَدَقَةً} (٥) .

(إِذَا اشْتَدَّ خَوْفُ العَدُوِّ) سواءٌ كان العدو آدمياً أَوْ غَيْره. والاشتداد مذكورٌ في «الهداية»، و «الكافي» وغيرهما. وفي «الكفاية»: أَنه ليس بشرطٍ عند عامة مشايخنا خلافاً للشافعي، ولا يبعُد أَنْ يُرَاد باشتداده تحقُّقه. ولذا لم تجز بلا حضور عدوَ فلو، رأوا سواداً فصلوها على ظنِّ أَنه عدو، فإِنْ تبيَّن كما ظنّوا، جازت لوجود


(١) القَوَد: القِصاص. معجم لغة الفقهاء ص: ٣٧٢.
(٢) المِشْقَص: نَصْل السَّهْم - أي حديدته - إِذا كان طويلًا غير عريض. النهاية: ٢/ ٤٩٠.
(٣) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ٤/ ١٩.
(٤) سورة النِّساء، الآية: (١٠٢).
(٥) سورة التوبة، الآية: (١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>