للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ أقَامَ سَنَةً، فَهُوَ ذِمِّيٌّ لا يُتْرَكُ أنْ يَرْجِعَ.

[فَصْلٌ في الجِزْيَة]

وَلا تَتَغَيَّرُ جِزْيَةٌ وُضِعَتْ بِصُلْحٍ

===

(فَإِنْ أقَامَ سَنَةً) من وقت القول له (فَهُوَ ذِمِّيٌّ لا يُتْرَكُ أنْ يَرْجِعَ) إليهم لالتزامه الجزية. ثم إذا صار ذمّياً بمُضِي المدّة المضروبة له يستأنف عليه الجزية بحول بعدها، إلا أن يكون الإمام قال: إن مكثت سنةً أخذتها منك، فإنه يأخذها منه حينئذٍ، وحلَّ دمه بعوده إلى محلَ ليس من دارنا لخروجه من ذمتنا. ومن أسلم ثمَّة ولم يلحق بدارنا فماله ودمه غير معصوم عندنا وحكم مالك والشّافعيّ بعصمتهما عصمةً مقوَّمة، فتجب الدِّيَةُ في الخطأ، والقَوَدُ في العمد، لأنه قتل نفساً معصومةً لثبوت العاصم وهو الإسلام لقوله عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها» (١) . فقد أثبت العصمة بالإسلام لا بالدّار.

ولنا: قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قِوْمٍ عَدُوَ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (٢) فالآية سيقت لبيان أنواع القتل وموجباته، فأوجب في المؤمن المطلق: دِيَةً وكفارةً (٣) ، ثم أوجب بقتل مسلم لم يهاجر إلينا: كفارةً فقط بقوله: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوَ لَكُمْ} أي المقتول إذا كان من الكفار داراً وهو مؤمن {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ثمّ أوجب بقتل الذّميّ: ديةً وكفارةً (٤) ، فدلّ إيجاب الكفارة وحدها فيمن لم يهاجر على أن لا ديةَ له، لأنه جعل الكفَّارة كل الواجب، لأنها كل المذكور، فلا يجوز أن يزاد عليها، لأنها نسخ، فلا يجب على قاتله سوى الكفارة في القتل الخطأ لما تلونا.

(فَصْلٌ في الجِزْيَةِ)

(وَلَا تَتَغَيَّرُ جِزْيَةٌ وُضِعَتْ بِصُلْحٍ) لأنّ الموجِب لها حينئذٍ هو التَّراضي، فلا يقع على خلاف ما وقع عليه. والجزية: ما يؤخذ من الذميّ باعتبار رأسه، وسمّيت جزية


(١) سبق تخريجه ص ٢٧، التعليقة رقم: (٢).
(٢) سورة النساء، الآية: (٢).
(٣) وذلك لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٢].
(٤) وذلك لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>