للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتاب الكَراهيةِ

ما كُرِهَ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَتَلَفَّظ بِهِ لِعَدَمِ القَاطِعِ، وَعِنْدَهُمَا إِلَى الحَرَامِ أقرب.

الأَكْلُ فَرْضٌ إِنْ دَفَعَ بِهِ هَلاكَهُ، وَمَأْجُورٌ عَلَيهِ إنْ مَكَّنَهُ مِنْ صَلاِتهِ قَائِمًا وَمِنْ صَوْمِهِ، وَمُبَاحٌ إلى الشِّبَعِ لِيَزِيدَ قُوَّتَهُ.

===

كتاب الكَرَاهِيَةِ

بتخفيف الياء، أي المكروهات، وهي أعمّ من أن تكون كراهةَ تحريم أو تنزيه، وقد يَذْكُرُ فيها المباحُ لدفع توهّم كونه مكروهاً، ويَذْكُر الغرضَ لِتَعْلَمَ أن تركه حرام. ولقّبه القُدُورِيّ بالحظر والإباحة. ولقّبه بعضهم بكتاب الزُّهد والورَع.

(مَا كُرِهَ) أي كل مكروهٍ تحريماً (حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَتَلَفَّظ بِهِ) أي بالحرام، بل عدل عنه إلى لفظ المكروه (لِعَدَمِ القَاطِعِ) الدَّال على حرمته، فهو يُسمِّي ما ثبت حرمته بدليل قطعي حراماً، وما ثبت بدليلٍ غير قطعيّ من خبر آحاد أو قول صحابيّ، أو غير ذلك، مكروهاً. فنسبة المكروه إلى الحرام كنسبة الواجب إلى الفرض، وهذا في كراهة التَّحريم، أمّا كراهة التَّنزيه فهي في مقابلة السُّنة.

(وَعِنْدَهُمَا) أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف ما كره ليس بحرامٍ، بل (إِلَى الحَرَامِ أقْرَبُ) وهذه في المكروه التّحريميّ، وأمّا التَّنزيهيّ فإلى الحِلِّ أقرب اتفاقاً.

(الأَكْلُ فَرْضٌ) وكذا الشُّرب لقوله تعالى: {كُلُوا واشْرَبُوا} (١) بشرط أن يكون حلالاً لقوله تعالى: {كُلُوا من طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (٢)

(إِنْ دَفَعَ) الأكل (بِهِ هَلَاكَهُ) حتّى لو جوّع نفسه رياضةً حتّى مات، أو امتنع عن أَكْلِ المَيْتة حال المَخْمَصَةِ (٣) حتّى مات، مات عاصياً.

(وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ) أي أَجْرَ الواجب أو السّنة بالزّيادة على قدر الرَّمق وما دون الشِّبَع (إنْ مَكَّنَهُ مِنْ صَلاتِهِ قَائِماً، وَ) إن مَكَّنَه (مِنْ صَوْمِهِ) فرضاً. (وَمُبَاحٌ إلى الشِّبَعِ لِيَزِيدَ قُوَّتَهُ) في التّصرفات الدنيوية.

وأمّا الزِّيادة لقوة الطاعة والعبادة فمستحبٌّ. وقد أغرب العَيْنِيّ في «شرح تحفة الملوك» حيث قال: ومباحٌ، وهو أدنى الشِّبع بنية أن يتقوى به على العبادة. قال: وهذا


(١) سورة البقرة، الآية: (٦٠).
(٢) سورة البقرة، الآية: (١٧٢).
(٣) المخْمَصَةُ: المجاعة. المعجم الوسيط. ص ٢٥٦، مادة: (خمص).

<<  <  ج: ص:  >  >>