للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحَرَامٌ فَوْقَهُ إِلّا لِقَصْدِ قُوَّةِ صَوْمِ الغَدِ، أَوْ لِئَلَّا يَستَحِي ضَيفُهُ.

===

القسم لا أجر فيه ولا وزر، ولكن يُحاسب فيه حساباً يسيراً، ولو كان من حِلّ لقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (١) .

(وَحَرَامٌ فَوْقَهُ) أي فوق الشِّبع لضرره وإسرافه الممنوع. لقوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا} (٢) ولِمَا في «شُعَبِ الإِيمان» عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يشتري غلاماً فألقى بين يديه تمراً فأكل الغلام فأكثر. فقال عليه الصلاة والسَّلام: «إن كثرة الأكل شُؤْمٌ»، فأمر بِرَدِّه. ولقوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ أكثر النَّاس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة». رواه ابن ماجه.

(إِلاّ لِقَصْدِ قُوَّةِ صَوْمِ الغَدِ) بأن يأكل أوّل الليل أو آخره زيادة على الشبع (أَوْ لِئَلاَّ يَسْتَحِي ضَيْفُهُ) فيمتنع عن الأكل لأجله. قيل: وكذا لا يجوز الأكل فوق الشِّبع تطييباً لخاطر مُضيفِهِ. ثم التنوّع (٣) بأنواع الفاكهة مباحٌ، لقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (٤) أي مستلذّاته، وترك المداومة عليه أفضل له، لظاهر قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا واسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} (٥) .

وقد أغرب صاحب «تحفة الملوك» وشارحه العَيْنِيّ في هذا المحل مسائل لا تطابق ما ذكروه من دلائل. منها قوله: والجمع بين أنواع الأطعمة حرامٌ. لأنّ ذلك إسراف وهو حرامٌ، لقوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ}، ومنها قوله: وكذا وضع الخبز على المائدة أضعاف ما يحتاج إليه الآكلون، فإنه إسرافٌ فيكون حراماً، ومنها قوله: وكذا رفع الخبز على الخِوَان (٦) حرامٌ. لما رُوِيَ عن قَتَادة عن أنس قال: ما علمت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أكل في سَكُرُّجَةٍ (٧) قطُّ ولا خُبِزَ له مُرَقَّق، ولا أكل على خِوَانٍ. ومنها قوله: وكذا وضع الخبز تحت القَصْعَةِ ليستقيم حرامٌ، لأنّ في ذلك استخفافاً وقد أمُرنا بتكريمه، وكذا مسح الأصابع والسّكين بالخبز، ووضع المِمْلَحَة عليه، وأكل وجهه خاصة.

ولا يخفى غرابته، لأنّ أمثال ذلك خلاف الأولى، وغايته أنْ يكون كراهةَ تنزيهٍ،


(١) سورة التكاثر، الآية: (٨).
(٢) سورة الأعراف، الآية: (٣١).
(٣) في المخطوط: التنعّم، والمثبت من المطبوع.
(٤) سورة البقرة، الآية: (١٧٢).
(٥) سورة الأحقاف، الآية: (٢٠).
(٦) الخِوَانُ: ما يؤكل عليه. المعجم الوسيط ص ٢٦٣، مادة: (خان).
(٧) السّكُرُّجَةُ: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأُدْم. المعجم الوسيط ص ٤٣٩، والأدْمُ: هو ما يُستَمرَأُ به الخبز. المعجم الوسيط ص ١٠١، مادة: (أدم).

<<  <  ج: ص:  >  >>