للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ [في المَسْحِ على الخُفَّيْن والجَبْيرَة]

المَسْحُ على الخُفَّين جائزٌ للمُحدِث دون مَنْ عليه

===

فدَّل أنَّ العبرة بالأكثر. وقد تقرَّر أنه لا يُجمع بين الأصلِ والبدل، فلا نَجمع نحن ومالكٌ بين الوضوءِ والتيمم خلافاً للشافعي.

فصلٌ (في المَسْحِ على الخُفَّين والجَبِيرةِ)

(المَسْحُ على الخُفَّين) أي دون الخُفِّ الواحد (جائز) أي عند أهل السنّة والجماعة خلافاً لبعض أهل البدعة. وهو ثابتٌ بالسُّنَن المشهورة المتظاهرة، كادت أن تكون متواترة. ورُوي عن أبي حنيفة أنه قال: ما قلتُ بالمسح على الخفين حتى وردَتْ فيه آثار أضوأُ من الشمس، وعنه: أخاف الكُفرَ على من لم يَر المسح على الخفين. لأنَّ الآثار التي جاءت فيه في حيِّز التواتر، أي التواترِ المعنوي وإن كانت من الآحادِ اللفظي.

وقال أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي «الاستذكار» لابن عبد البَرّ: رَوَى المسحَ على الخفين نحوُ أربعين من الصحابة. وفي «الإِمام» لابن دقيق العيد: قال ابنُ المنذر وغيرُه: رَوَينا عن الحسن البصري أنه قال: حدَّثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسَحَ على الخفين. ورَوَى الجماعةُ من حديث جَرير قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالَ ثم توضَّأ فمسَحَ على خُفِّيه. قال إبراهيم النَّخَعي: كان يُعجبهم هذا لأن إسلام جَرير كان بعد نزول المائدة، وفي لفظ للبخاري: لأنَّ جَريراً كان آخِر مَنْ أسلم.

وقال ابنُ عبد البَرّ: لم يُروَ عن أحدٍ من الصحابة إنكارُ المَسْح، إلا عن ابن عباس وعائشة وأبي هريرة، فأمَّا ابنُ عباس وأبُو هريرة فقد جاء عنهما بالأسانيد الحِسان خلافُ ذلك وموافقةُ سائر الصحابة، وأمَّا عائشةُ رضي الله عنها ففي «صحيح مُسْلمٍ»: أنها أحالت ذلك على عِلْم عليّ. وقد رَوَى عن شُرَيح بن هانيء قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: لا أدري، سَلُوا عليَّاً، فإنه كان أكثرَ سفراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألْنا عليّاً فقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمسح على الخفين. وفي روايةٍ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يَمسَحُ المقيمُ يوماً وليلة، والمسافِرُ ثلاثة أيام وليالِيَها»، فبَلَغ ذلك عائشةَ فقالت: هو أعلَمُ.

وإنما يجوز المسحُ على الخفين (لِلمُحدِث) رجلاً كان أو امرأةً (دون مَنْ عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>