للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الحَجْرِ

هُوَ مَنْعُ نَفَاذِ القَولِ. وَسَبَبُهُ: الصِغَرُ والجُنُونُ وَالرِّقُّ، وَضمِنُوا بِالْفِعْلِ،

===

كتاب الحَجْرِ

(هُوَ) ـ بالفتح ـ لغةً: المنع مطلقاً، ومنه سُمِّيَ العقل حِجْراً ـ بالكسر ـ، لقوله تعالى: {هَلْ في ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} (١) ، وسُميَ به، لأنه يمنع صاحبه عن القبائح. وسُمِّي الحَطِيم حِجْراً، لأنه منع من بناء الكعبة.

وشرعاً: (مَنْعُ نَفَاذِ القَوْلِ) لا الفعل، لأن الحَجْر في الأمور الحكمية دون الحسية، ونفاذ القول حكميّ، لأنه يُرَدّ ويقبل، بخلاف نفاذ الفعل فإنه حسيٌ لا يُرَدّ إذا وقع، فلا يُتَصَوَّرُ الحَجْر فيه. فلو أتلف صبيٌّ أو مجنونٌ مال الغير يجِب الضمان، وسيجيء.

(وَسَبَبُهُ) أي الحَجْر (الصِغَرُ) لأن معه عدم العقل إن كان خالياً عن التمييز، ونقصانه إن كان مميّزاً إلاّ أن هذا التمييز ينجبر بإذن الوليّ ويصير الصِغَر به كالبلوغ، (والجُنُونُ) لأنه إمّا مع عدم العقل أصلاً وذلك فيمن لا يُفِيقُ صاحبه منه.

وحكمه: أن لا يصحّ تصرّف المُبْتَلى به وإن أجار وليّه لفقد أهلية التصرّف منه، وإما مع نقصان العقل وذلك فيمن يُجَنُّ مرَّةً ويُفِيقُ مرَّةً أخرى. وحكمه: أنه في حال الإفاقة كالعاقل. وأمّا المعتوه، وفُسِّرَ بالقليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير، إلاّ أنه لا يضرب ولا يشتم. فحكمه: أنه كالصبيّ العاقل في تصرُّفاته ورفع التكليف عنه.

(وَالرِّقُّ) لأن العبد وما في يده لمولاه، فلا ينفذ تصرُّفه القولي لأجل حقه فللمولى أن يرفعه بفسخه، ولكن إذا رضي بتصرّفه جاز لكونه رضي بفوات حقّه. والحِكمة في ذلك أن الله خلق الورى (٢) وميّز بينهم في الحَجْر فجعل بينهم ذوي النُّهَى، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدُّجَى (٣) ، وجعل بعضهم مُبْتَلى ببعض أسباب الرَّدى.

(وَضَمِنُوا) أي الصغير والمجنون والعبد (بِالْفِعْلِ) أي بإتلاف مال الغير، لأن في ضمانهم إحياء لحقّ المتلف عليه في المحل المعصوم (٤) ، وهذا بالاتفاق. فإذا


(١) سورة الفجر، الآية: (٥).
(٢) الورى: الخَلْق. المعجم الوسيط ص ١٠٢٨، مادة (ورى).
(٣) الدُّجى: سواد الليل وظلمته. المعجم الوسيط ص ٢٧٢، مادة (دجا).
(٤) في المخطوط: المصون، والمثبت من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>