للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتابُ المُكاتَب

الكِتابةُ: إعتاقُ المَملُوكِ يدًا حالًّا، ورقبةً مآلًا

===

كتاب المُكَاتَب

(الكِتابة) وكذا المُكَاتبة والكِتَاب مصدر كاتَبه.

وشرعاً: (إعتاق المَملُوكِ يداً حالاً) أي تصرفاً في الحال (ورقبة مآلاً) أي باعتبار المآل. ولذا قيل: المُكاتب طار من ذُل العبودية ولم ينزل بساحة الحرية. ومنه قوله تعالى: {والذين يَبتَغُون الكِتَاب مِمَّا مَلَكتْ أيمَانُكم فكاتِبُوهم إن عَلِمْتُم فيهم خَيْراً} (١) ، والأمر للندب عند عامة العلماء. وعن الحسن: ليس ذاك بعزم، إن شاء كاتب وإن شاء لم يكاتب. وعن عمر: هي عَزْمة من عَزَمات الله. وقوله: {خيراً} أي قدرةً على إيفاء ما تعاقدا عليه. وقيل: تكسُّباً وأمانة. وقيل: صلاحاً ودِيانة. وبُني على صيغة المفاعلة، لأن الرجلَ يقول لمملوكِهِ: كاتبتُك على ألف درهم. ومعناه: كتبتُ لك على نفسي أن تَعْتِقَ مني إذا وفَّيتَ بالمال، وكتبتَ لي على نفسك أن تَفِي بذلك. أو كتبتُ عليك الوفاءَ بالمال، وكتبتَ عليَّ العِتْقَ في المآل.

واختلف الصحابة رضي الله عنهم في وقت عِتقِ المكاتَب، فكان ابن عباس يقول: كما أخذ الصحيفة من مولاه يَعتِق. يعني بنفس العقد، لأن الصحيفةَ عند ذلك تكتب، فكأنه جعل الكِتَابة واردةً على الرقبة، كالعتق بِجُعْل يعتق بالقبول وهو غريم للمولى (فيما عليه من بدَل الكتابة. وكان ابن مسعود يقول: إذا أدى قيمة نفسِهِ عَتق وهو غريم للمولى) (٢) في الفضل فكأنه اعتبر وصول قدر مالية الرقبة إلى المولى، ليندفع به الضرر عنه. وكان علي يقول: يعتِق بقدر ما أدى، فكأنه اعتبر البعض بالكل، وهو بناء على قوله: يُعتِق الرجل من عبده ما شاء. وكان عثمان، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وعائشة يقولون: هو عبد ما بقي عليه درهم.

وبه أخذ جمهور الفقهاء وقالوا: لا يعتق ما لم يؤد جميع البدل. والأصل فيه ما رواه عَمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كاتب عبده على مئة أُوقِيَّة فأداها إلا عشر أواق فهو رقيق». رواه أصحاب «السنن الأربعة» بألفاظ


(١) سورة النور، الآية: (٣٣)
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>