للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحَمَلْتُكَ عَلَى دَابَّتِي هَذِهِ، وأَخْدَمْتُكَ عَبْدِي، ودَارِي لك سُكْنَى، وعُمْرِي سُكْنَى. ويَرْجِعُ المُعِيْرُ مَتَى شَاءَ.

ولا تُضْمَنُ بلا تَعَدٍّ إِنْ هَلَكَت،

===

ما يُطْعَم كالأَرْض يُراد به أَكْل غَلَّتها، إِطلاقاً لاسم المحل على الحال. (وحَمَلْتُكَ عَلَى دَابَّتِي هَذِهِ) لأَنه يقال في العُرف: حَمَل فلانٌ فلاناً على دابته إِذا أَعاره إِيَّاها، وإِذا وهبه إِيَّاهَا، فإِذا نوى أَحدَهما صَحَّت نيتُه، وإِذا لم يَنْو حُمِل على الأَدْنَى، لئلا يلزم الأَعلى بالشَّك.

(وأَخْدَمْتُكَ عَبْدِي) لأَنَّ هذا إِذْنٌ في استخدامه، وهي عَارِيَّة. (ودَارِي لك سُكْنَى) أَي من جهة السُّكْنَى. فَدَارِي: مبتدأَ، ولك: خبره، وسُكْنى (تمييز) (١) عن النسبة (٢) إِلى المخاطب، لأَن قوله: «لك» يحتمل أَنْ يكون له رقبتها، وأَن يكون له منفعتها. وقوله: سُكْنى محكمٌ في المنفعة، فهو مُعَيِّنٌ للثاني بِحُكْم التفسير فيكون عَارِيَّةً. (وعُمْرِي سُكْنَى) أَي دَارِي لك عُمُرِي سُكْنَى، يقال: أَعْمَرَهُ الدَّار: أَي قال له: هي لك مُدّة عُمُرِك، والعُمْرَى: اسم منه، فيصير معناه: جَعَلْتُ سُكْنَاهَا لك مدة عُمُرك.

(ويَرْجِعُ المُعِيْرُ مَتَى شَاءَ) سواء كانت العاريّة مطلقةً أَوْ مؤَقتةً، لأَن المنافع تَحْدُث شيئاً فشيئاً، وثبوت المِلْك فيها بحسب حدوثها، فالرجوع (٣) بالنسبة إِلى المنافع التي لم تحدث، فيكون امتناعاً عن تمليكها، وله ولاية ذلك.

[(حكم ضمان العارية)]

(ولا تُضْمَنُ بلا تَعَدَ إِنْ هَلَكَت) وبه قال مالك والثَّوْري والأوْزَاعي، ورُوِي عن علي، وابن مسعود، والحسن، والنَّخَعِي، والشَّعْبِي، وعمر بن عبد العزيز، وشُرَيْح. وقال الشافعيّ رحمه الله: إِنْ هلكت من الاستعمال المعتاد لا يَضْمن، وإِنْ هلكت من غيره يضمن.

وحاصل الخلاف أَنَّ العارِيَّة أَمانةٌ مطلقاً عندنا لا وقت استعمالها فقط كما قاله الشافعيّ رحمه الله؛ وهو قول ابن عباس، وأَبي هريرة، وعطاء، وإِسحاق، لقوله عليه الصلاة والسلام: «أَدِّ الأَمانة إِلى مَنِ ائتمنك ولا تَخُنْ مَنْ خَانَك». رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. وقوله عليه الصلاة والسلام: «على اليد ما أَخَذَتْ حتى تؤديه».


(١) في المطبوع: تميز، وما أَثبتناه من المخطوط.
(٢) لأَن اللام في كلمة: "لك"، تفيد: معنى الملك، ومعنى المنفعة - أَي منفعة الرقبة - فكلمة: "سُكْنى" صرفت وميَّزت المعنى من الملك إِلى المنفعة.
(٣) أَي رجوع المُعير عن عارِيّتِهِ بالنسبة إِلى المنافع التي لم تحدث لا إِلى المنافع الحادثة - السابقة -.

<<  <  ج: ص:  >  >>