للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أَقْسَامُ المِيَاهِ]

ويَتوضَّأُ بماءِ السماءِ والأرضِ،

===

ومن الفروع: أنَّ الجُنُبَ أولى بالماءِ المُباح إذا وجدَهُ ومعه حائض، أوْ وَمَعه مَيِّت، ويَتيمَّمُ الميِّتُ والحائضُ، وكذا مِنْ المُحدِث (١) .

[(أقسام المياه)]

(ويَتوضَّأُ) أي المتوضِّيءُ أو مُريدُ الصلاة، والأولى أن يُقرأ مجهولاً، ولو قال: يَتطهَّرُ لكان أعمَّ وأظهر (بماءِ السماءِ) كماءِ المطَرِ، والنَّدَى، والثَّلْجِ، والبَرَدِ الذائبَينِ لقوله تعالى: {ويُنَزِّلُ عليكم من السماءِ ماءً لِيُطهِّرَكُم به} (٢) ، (والأرضِ) أي وبمائِها من العيونِ والآبار والغُدْرانِ لقوله تعالى: {ألم تَرَ أنَّ اأَنزَل مِنْ السماءِ ماءً فَسَلَكَهُ ينابيعَ في الأرض} (٣) . ومنها ماءُ البِحار لِمَا روى مالك وأصحاب «السُّنن الأربعة»: عن أبي هريرة: أنَّ رجلاً سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله إنا نركَبُ البحرَ ونحملُ مَعَنا القليلَ من الماء، فإنْ توضَّأْنا به عَطِشنا أفتوضَّأُ من البحر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «هو الطَّهُورُ ماؤه الحِلُّ مَيْتَتُهُ». صحَّحه الترمذيُّ وقالَ: سألتُ محمدَ بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: حديثٌ صحيح.

وروى أبو داود والترمذي من حديث الخُدْري قيل: يا رسول الله أنتوضَّأ من بِئرِ بُضَاعَةَ ـ وهي بِئْر تُلْقَى فيها الحِيَضُ ـ أي خُروقُها ـ ولحومُ الكِلابِ والنَّتْنُ ـ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الماءُ طَهُور لا يُنجِّسُه شيءٌ»، وحسَّنَه الترمذي وصحَّحه ابنُ القطَّان، وكذا قال الإِمامُ أحمد: هو حديثٌ صحيح، فحينئذٍ يُستدَلُّ بالقَدْرِ الصحيحِ على طَهُوريَّة الماء، وبالإِجماع على تنجُّسه بتغير وصفه بالنجاسة. وأمَّا أنه لا يتنجَّسُ إلا إذا تغيَّرَ كما قال مالك فلا، إذْ لا يمكنُ الاستدلالُ عليه بصدر الحديث وهو قولُهُ: «لا يُنَجِّسُه شيء»، إذ الإِجماعُ على تنجُّسه بالتغيُّرِ: يُفِيدُ أنَّ ظاهره غيرُ مراد، على أنَّ ماءها كان جاريًا في البساتين كما رواه الطحاوي بسنده عن الواقدي.


(١) إنما كان الجُنُب أولى بالماء من المُحدِث لأن الجنابة أغلظ من الحدث، وكان أولى به من الحائض أيضًا لإمكان تيممها واقتدائها به دون إمكان اقتدائه بها، ولأن اقتداء المتيمم بالمتطهر أفضل من عكسه، وكان أولى به من الميت أيضًا بسبب أنه يؤدي به ما كُلِّف به من صلاة وقراءة، فاحتياجه إليه أكثر من الميت الذي يمكن أن يُيمَّم للصلاة عليه. وهذا كله فيما إذا كان الماء يكفي للغُسل، أما إذا كان لا يكفي إلا للوضوء، فالمحدث أولى به من الباقي. أفاده الطحطاوي في حاشيته على "الدر المختار" ١/ ١٣٣، ونحوه في "رد المحتار" ١/ ١٦٩، أفاده الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة رحمه الله تعالى.
(٢) سورة الأنفال، آية: (١١).
(٣) سورة الزمر، آية: (٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>