للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإِنْ تَغيَّرَ بالمَكْثِ، أو اختَلَط به طاهِرٌ، إِلا إِذا أَخرَجَهُ عن طَبْع الماءِ،

===

(وإِنْ تَغيَّرَ) أي لَونُهُ وطَعْمُهُ وأنْتَنَ (بالمَكْثِ) بفتح الميم أي طُولِ اللَّبْث، وهو مصدَرُ مَكَثَ بفتح الكاف وضمِّها، والاسمُ منه المُكْثُ بضّم الميمِ وكسرِها، وذلك لبقاءِ اسمِ الماءِ عليه.

(أو اختَلَط به طاهر) كالأُشْنانِ (١) والزَّعْفَرانِ والصَّابونِ والوَرَقِ الواقعِ في المياه زمانَ الخريف، لأنْ النبي صلى الله عليه وسلم اغتَسَل يومَ الفتح من قصعةٍ فيها مِنْ أثَرِ العجين. رواه النسائي، والماءُ بذلك يتغيَّر. ومِمَّا يَدُلُّ على ذلك ما رواه الشيخانِ عن ابن عباس: أنَّ رجلاً كان واقفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقَصَتْهُ ناقتُهُ ـ وفي روايةٍ: فأوْقَصَتْه، وفي أخرى: فأقْصَعَتْهُ ـ أي كَسَرَتْ عُنُقَهُ وهو مُحْرِم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اغسِلُوهِ بماءٍ وسِدْر (٢) ، وكَفِّنوهُ في ثَوْبَيْه، ولا تُحَنِّطُوه، ولا تُخَمِّرُوا رأسَهُ، فإِنَّ الله عزَّ وجلَّ يَبْعَثُه يوم القيامة مُلَبِّياً». وليس في الحديث أنَّ الماء أُغلِيَ بالسِّدْرِ كما ذكره صاحبُ «الهداية».

وأمَّا تغطيةُ رأسِ المُحْرِم وتَطْييبُهُ حال موتِهِ عندنا فمأخوذٌ من دليلٍ آخَرَ يأتي في محلّه، والميِّتُ لا يُغسَلُ إلا بما يَجوزُ للحيّ أن يَتطهَّرَ به. وروى مالك في «الموطَّأ» من حديث أُمّ عَطِيَّة قالتْ: دَخَلَ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تُوفِّيَتْ ابنتُهُ فقال: «اغسِلْنَها ثلاثاً أو خمساً أو أكثَرَ من ذلِكِ بماءٍ وسِدْر، واجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كافوراً، أو شيئاً من كافور … »، الحديثَ. والغَسْلُ بالماءِ والسِّدْر لا يُتَصَوَّرُ إلا بخَلطِ السِّدْرِ بالماءِ أو بوَضْعِهِ على الجَسَد وصَبّ الماءِ عليه، وكيفما كان فلا بُدَّ من الاختلاطِ والتغيُّرِ، فيكونانِ مما لا يَضُرُّ.

(إِلاَّ إِذا أَخرَجَهُ) أي الطاهِرُ أو اختلاطُهُ (عن طَبْع الماءِ) وهو الرِّقَّةُ والسِّيَلانُ بأن غلَبَ الطاهِرُ المُخالِطُ على الماء. والصحيحُ أنه لا يُعتَبرُ غلبةُ اللون كما قال به محمد، بل يُعتبَرُ الأجزاءُ كما قال به أبو يوسف، ونُقِلَ بالعكس عنهما، فكان لهما روايتان.

وقال مالك والشافعي: لا يُرْفَعُ الحَدَثُ بماءٍ غالبٍ على شيءٍ طاهرٍ كأُشنانٍ وزَعْفَران، مع الاتفاق على أنَّ الماءَ المُطَلقَ يُزيلُ الحدَثَ، وأنَّ المُقَيَّد لا يُزِيل، إذ الحُكُم منقولٌ إلى التيمّم عند فَقْدِ المُطَلق فى النَّصّ. والخِلافُ في الماءِ الذي خالطَهُ الأشنانُ ونحوُه مَبنِيٌّ على أنه هل تَقَيَّدَ بذلك أَمْ لا؟ وقالا: تقيَّدَ به، لأنه ماءُ الزعفران.


(١) مر التعريف به ص ٧٥، التعليقة رقم (١).
(٢) السدر: نوعان: أحدهما ينبت في الأرياف فينتفع بورقه في الغسل وثمرته طيبة، والآخر ينبت في البر ولا ينتفع بورقه في الغسل. المصباح المنير ص ١٠٣، مادة (سدر).

<<  <  ج: ص:  >  >>