وهو قولُ عامَّة العلماءِ، لِمَا روى أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسَنٌ صحيح، عن خُزَيمة بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسحُ على الخفين للمسافر ثلاثةُ أيام وللمقيم يومٌ وليلة». ولقولِ المُغِيْرَة بن شُعْبة: آخِرَ غزوة غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَنا أن نَمسحَ على خِفافنا، للمسافر ثلاثةَ أيام وليالِيَها وللمقيم يوماً وليلةً ما لم نَخلع. رواه الطبراني. والظاهرُ أنَّ هذا التوقيت لبيانِ مُدَّة الحاجة إلى المسح، إذْ قبلَ الحدث لا حاجة إليه لحصول الطهارة بالغَسل.
وقيل: ابتداءُ مُدَّةِ المسح من وقتِ لُبْس الخفين، وهو قولُ الحسن البصري لقولِ صفوان:(كان رسول الله يأمرنا)(١) أن لا نَنزعَ خِفَافَنَا ثلاثة أَيام وليالِيَها. وقيل: مِنْ وقتِ مَسْحهما لتعليقِ المدَّة بالمسحِ في الحديث، وهو رواية عن أحمد، واختاره ابن المنذر، وقال النووي: وهو الراجحُ دليلاً. انتهى.
ويصحُّ المسحُ على الخُفّ المغصوب والمسروق، وفي سفَر المعصية عندنا، ونفاه الشافعي ومالك، لأنَّ هذا معصية والرخصة لا تُناطُ بها. قلتُ: الحرمةُ لمعنى في الغير لا تُنافي الصحَّة كالصلاةِ في ثوبٍ مغصوب، وأرضٍ مغصوبة، والطهارةِ بماءٍ مغصوب، والمسألة أصولية.
(نَوَاقِضُ المَسْحِ على الخُفَّيْنِ)
(وناقِضُهُ) أي مُبطِلُ مسحِ الخف (ناقضُ الوضوء) لأنه بدَلٌ عن بعضه (ومُضِيُّ المُدَّة) لأنه موقَّتٌ بها، وذلك لأنَّ استتار القدمين بالخف كان مانعاً من سِراية الحدَث إليهما في المدَّة بالنص، فإذا مضت سَرَى إليهما، فيجب غَسلُهما لا إعادةُ بقية الوضوء. هذا إذا كان الماءُ موجوداً.
ولو انقضت المُدَّة في الصلاة وهو غيرُ واجدٍ للماء فقيل: لا تَفسدُ صلاتُه، فيَمضي عليها لعدم الفائدة في نزعه، لأنه للغَسْل ولا ماءَ عنده فيكون عَبَثاً. وقيل: تَفسدُ فيتيمَّمُ ويصلي، لأنَّ عدَمَ الماءِ لا يَمنع سِراية الحدَث، وهذا هو الأصح، لأنَّ الشرع قدَّر مَنْعَه بمدَّةٍ، فيسري الحدَثُ بعدها، فكما يُحكَمُ عند وجود الماء بأن يَغْسِل،
(١) ما بين الحاصرتين زيادة من سنن الترمذي ١/ ١٥٩، كتاب الطهارة (١)، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم (٧١)، رقم (٩٥)، وهي غير موجودة في المخطوطة والمطبوعة.