يُحكَمُ عند عَدَمِه بأن يتيمَّم، لأنَّ الحدث وإن لم يُصب الرِّجْلَ حسّاً، لكن يُصيبها حكمُ طهارته وهو المقصود، فلا يَصلُحُ عدَمُه مانعاً من السراية بعد تمام المدَّة. لا يقال: هذا جمْعٌ بين التيمم والوضوء في الجملة وهو غيرُ جائز عندنا، لأنَّا نقول: أَحوَجَ إلى ذلك الاحتياطُ كما قلنا بالجمع بينهما في الماءِ المشكوك.
(وخروجُ أكثرِ العَقِب)
بكسر القاف: مؤخَّرِ الرِّجْل (إِلى السَّاق) عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف خروجُ أكثرِ القدم إلى الساق، وعند محمد إنْ بقي في محلِّ المسحِ مقدارُ ما يجوز المسحُ عليه ـ يعني ثلاث أصابع ـ لا يَنتقض المسحُ وإلا انتقض، لأنَّ خروج ما سِوى قَدْرِ المسح كلا خروج. ولأبي يوسف: أنَّ في الاحتراز من خروج أقلِّ القدم حرَجاً كما في الخُفِّ الواسع، ولا حرَجَ في أكثره. ولأبي حنيفة: أنَّ بقاءَ المسح لبقاءِ محل الغَسْل في الخفّ، وبخروجِ أكثرِ العَقِب إلى الساق الذي هو في حكم الظاهر لا يَبقَى محلُّ الغَسْل فيه، وهذا هو الأحوط، وكان مقتضاه خُروجَ مطلَقِه إلا أنه تُرِكَ الأقلُّ دفعاً للحرج.
ثم اعلم أنَّ خروجَ الرِّجْل ومُضيَّ المدَّة ليس بناقضٍ حقيقة، وإنما الناقضُ الحدَثُ السابق، لكن لمَّا ظهر أثرُهُ عندهما نُسِبَ النقضُ إليهما.
(وبعدَ أحَدِ هذين) أي مُضيِّ المدَّة وخروجِ أكثرِ العَقِب إلى الساق (يجبُ غَسْلُ رجليه فقط) إذا لم يكن مُحدِثاً، لأنَّ الحدَثَ السابق سَرَى إلى رجليه دون سائر أعضائه.
وشَرَط مالك أن يُبَادِر إلى غَسْلِهما بعد النزع بناءً على افتراض الوِلاء عنده. ولم يُوجب الحسنُ وطاوسٌ شيئاً بنَزْعِهما، كحلقِ الرأس بعدَ المَسْح. قلنا: الشَّعرُ خِلْقِي بخلاف الخُفّ. وقال الزُّهْري: إنْ نَزَعَ الخُفَّ عن إحدى رجليه غَسَلها ومسَحَ على خُفّ الأخرى. قلنا: طهارةُ المسْح جنسٌ واحد، فما يُبطِلُ بعضَها يُبطِلُ كلَّها. وقال بعضهُم: لا يَنقُضُ المسحَ أصلاً، وهو الأظهرُ، لأنَّ الشرعَ اعتَبَر الخُفَّ مانعاً عن سِراية الحدَث للقدم، فتَبقى على طهارتها (١) .
(١) في هذا التعليل تهافُت، إذ الخُفّ، يمنع سراية الحدث ما دام على القدم، فإذا نُزِع عنها سرى الحدث إلى القدم فلزم غسلها. فما استظهره الشارح هنا غير مَرضِيّ. انظر "بدائع الصنائع" ١/ ١٣. أفاده الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة رحمه الله تعالى.