للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الترمذي عن أبي أُمامة: «فَضْلُ العالم على العابد كفضلي على أدناكم». وما ذلك إلا لكون العلم نفعُهُ متعدَ والعبادةُ نفعُها قاصر، ولأنَّ العلم إما فرضُ عين وإما فرضُ كفاية، والعبادةُ الزائدةُ على الفرائض لا تكون إلا نافلة، والعابدُ قد يكون مُقلِّداً، والعالم يكون مُحقِّقاً مجتهداً، فلا يكونانِ متساويَيْنِ أبداً. ومِن ها هنا

وَرَد: «يُوزَنُ مِدادُ العلماء بدماء الشهداء، ويرجُحُ مِدَادُ العلماء» (١)، مع أَنْ مدادهم أَدنى مراتب أفعالِهم، ودِماءَ الشهداء أعلى مناقب أحوالِهم.

(قَبُولُ الحديثِ المْرسَلِ)

والحاصل: أنَّ علم الفقه هو الباحثُ عن الحلال والحرام، والباعثُ على التمييز بين الجائز والفاسد من وجوه الأحكام، المحتاجُ إليه الخواصُّ والعوامّ، في جميع الساعات والأيام، لكن روى الدَّيْلَمِيّ عن علي مرفوعاً: «من ازداد علماً ولم يَزدد في الدنيا زُهداً، لم يَزدد من الله إلا بُعداً» (٢).

اعلم: أن علماءنا رحمهم الله تعالى أكثَرُ اتّباعاً للسُّنَّة من غيرهم، وذلك أنهم اتَّبعوا السلفَ في قبول المُرسَل، معتقدين أنه كالمُسنَد في المعتمد، مع الإِجماع على قبول مَرَاسِيل الصحابة من غيرِ النزاع.

قال الطبري: أجمَعَ العلماءُ على قَبول المُرْسَل، ولم يأتِ عن أحدٍ منهم إنكارُه إلى رأس المئتين. قال الراوي: كأنه يعني (٣) الشافعي، وأشار إلى ذلك الحافظ أبو عُمرَ بنُ عبد البَرّ في «التمهيد». فمَنْ نَسَبَ أصحابَنا إلى مخالفةِ السُّنَّةِ واعتبارِ الرأي والمقايسةِ، فقد أخطأ خطأً عظيماً، لأنَّ الحديث الموقوف على الصحابة مقدَّم على القياس عندنا، وكذا الحديثُ الضعيف، فمَنْ خَالَفنَا فيما ذكرنا فهو مِنْ رأيهِ الفاسد وقياسِه الكاسِد.

والحاصل: أنَّ المُرْسَل حُجَّةٌ عند الجمهور، ومنهم الإِمامُ مالك، وقد نَقَل الحافظُ أبو الفرج بنُ الجوزي في «التحقيق» عن أحمد، ورَوَى الخطيبُ في كتاب


(١) قال المُنَاوي: قال الزين العراقي: سنده ضعيف .. وقال في "الميزان": متنه موضوع. انظر فيض القدير ٦/ ٤٦٦، وكشف الخفاء ٢/ ٤٠٠.
(٢) قال المُنَاوي: قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف. فيض القدير ٦/ ٥٢. ولفظه في المطبوعة: "ولم يزدد به في الدنيا".
(٣) لفظ: "يعني" لم يرد في المطبوعة، بل هو مثبت من المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>