للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلْ [في السَّلَمِ]

يَصِحُّ السَّلَمُ فِيمَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ، وَوَصْفُهُ،

===

رحمهما الله على أن ينفذ الشِّراء بإجازة المالك، وباطلٌ عند محمد رحمه الله، لأنّ الإعتاق لا يصحّ إلاّ في الملك الكامل للمُعْتَقِ لِمَا روى أبو داود، والترمذي في الطّلاق ـ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ـ عن عَمْرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاقَ له فيما لا يملك». ولأبي حنيفة رحمه الله وهو وجه الاستحسان: أَنّ ملك المشتري من الغاصب ثبت موقوفاً بتصرفٍ مطلقٍ موضوعٍ لإفادة الملك، فيتوقف الإعتاق بتوقّفه، وإذا نفذ نفذ بحقوقه.

فصلٌ (في السَّلَمِ)

(يَصِحُّ السَّلَمُ)؛ وهو لغةً: السَّلَف.

وشرعاً:

اسمٌ لعقدٍ يوجب المِلك في الثَّمن عاجلاً، وفي المُثَمَّنِ آجِلاً.

وهو مشروعٌ على خلاف القياس لكونه بيعَ معدومٍ، ولكنّه جائزٌ بالكتاب لِمَا روى الحاكم في «المُسْتَدْرَك» في تفسير سورة البقرة ـ وقال: صحيح على شرط الشيخين ـ عن ابن عبّاس أنه قال: أشهد أَنّ السَّلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحلّه الله تعالى في الكتاب، وأذِنَ فيه. قال الله تعالى: {يَا أيُّهَا الذّيِنَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجَلٍ مُسَمّى فَاكْتُبُوهُ} (١) الآية.

ورواه الشَّافعيّ في «مسنده» بالسّند، وهو ما أخرجه الأئمة السّتة في كتبهم عن أبي المِنْهَال، عن ابن عبّاس قال: قدم النَّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يُسْلِفُونَ في التّمر السّنة والسنتين والثلاث. فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أسلف في تمرٍ (٢) ، فليُسلف في كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلومٍ». وما أخرجه البخاري عن عبد الله بن أبي أوْفَى أنه قال: إنّا كنّا لَنُسْلِف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما في الحِنْطَة، والشَّعير، والتّمر، والزبيب. وبالإجماع فإنّ الأمّة أجمعت على جواز السَّلم لحاجة النّاس وضرورتهم إليه.

وإنّما يصحّ السَّلم (فِيمَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ، وَوَصْفُهُ) بكيلٍ أو وزنٍ، أو ذراعٍ، أو عدَ، بخلاف ما لا يُعْلم قدره ووصفه بكيلٍ، حيث لا يصحّ السَّلم فيه، لحديث ابن عبّاس.


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٨٢).
(٢) في المخطوط: "في شيء"، وهي رواية أخرى أخرجها البخاري عن ابن عباس. (فتح الباري) ٤/ ٤٢٩، كتاب السلم (٣٥)، باب السَّلم في وزنٍ معلومٍ (٢)، رقم (٢٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>