للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حُكْمُ المُضَارَبَةِ]

وهي إِيدَاعٌ أَوَّلًا، وتَوْكِيْلٌ عِنْدَ عَمَلِهِ وشَرِكَةٌ إِنْ رَبِحَ، وغَصْبٌ إِنْ خَالَفَ،

===

أَمير المؤمنين فَأَسْلَفَكُمَا، أَدِّيا المال ورِبْحَه، فراجعه عبيد الله وقال: ما ينبغي هذا يا أَميرَ المؤمنين، لو هلك المال أَوْ نَقَص لضَمِنَّاه، فقال لعمر بعضُ جلسائه: لو جعلته قِراضاً، فأَخذ عمرُ المال ونَصَّفَ ربحه وأَعطاهما النصف.

وفي «المبسوط» و «المعرفة» للبيهقي: أَنَّ عمر أَعطى مال يتيم مضاربة، وكان يعمل به في العراق. وأَن عثمان أَعطى مالاً مقارَضةً (١) . وأَن ابن مسعود أَعطى زيد بن خُلَيْدَة مالاً مقارضةً. وأَن العباس كان إِذا دفع مالاً مضاربةً اشترط على صاحبه أَنْ لا يسلك به بحراً، ولا ينزلَ به وادياً، ولا يشتري به ذات كَبِدٍ رَطْبة (٢) ، فإِن فعل فهو ضامنٌ، فَرُفِع الشرطُ إِلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأَجازه.

لكن ضعَّفَه البيهقي بسنده. وفيه وفي الدَّارقطني بسند صحيح: أَنْ حَكيم بنَ حِزَام صاحِبَ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان إِذا دفع مالاً مضاربةً شرط مثل هذا.

وتنعقد المضاربة بقوله: دفعتُ هذا المال إِليك مضاربةً أَوْ مقارضةً أَوْ معاملة، لأَنه صريحُها. أَوْ: خُذه واعمل بِهِ على أَنَّ لك نصفَ الربح، لأَنه بمعناه.

[(حكم المضاربة)]

(وهي إِيْدَاعٌ أَوَّلاً) أَي قبل عمله، لأَن المضارب (قبض) (٣) المال بإِذن مالكه لا على جهة المبادلة والوثيقة. وفي «شرح الطحاوي»: والحيلة في أَنْ يصير المال مضموناً على المضارب: أَنْ يقرض جميع المال من المضارب إِلاَّ درهماً واحداً، ويُسَلِّمه إليه، ثم يعقد شركة عِنان (٤) ، على أن يكون رأس مال المُقْرِض درهماً، ورأَسُ مال المستقرض جميعَ ما استقرضه، على أَنْ يعملا جميعاً والربح بينهما، ثُم يعمل فيه بعد ذلك المستقرض خاصةً، فإِن هلك في يده فالقَرْض عليه، وإِن ربح فالربح بينهما.

(و) هي (تَوْكِيْلٌ عِنْدَ عَمَلِهِ) لأَنه يعمل لرب المال بأَمره، ولهذا يرجع بما لحقه من العُهْدَة عليه كالوكيل. (و) هي (شركةٌ) في الربح (إِنْ رَبِحَ) لتحَصُّله بالمال والعمل. (و) هي (غَصْبٌ إِنْ خَالَفَ) المضارب لوجود التعدي منه على مال غيره، وبه


(١) سبق الكلام عليه صفحة ٨٧، تعليق رقم (١).
(٢) ذات كبد رطبة: أي كل كبد حيّة، والمراد رطوبة الحياة، فتح الباري ٥/ ٤٢.
(٣) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٤) تقدم شرحها في كتاب الشركة ص ٥٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>