للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الوَصَايَا

هِي إيجَابٌ بَعْدَ المَوْتِ، ونُدِبَتْ بأَقلَّ مِنَ الثُّلَثِ عِنْدَ غِنَى وَرَثَتِهِ، أَو اسْتِغْنَائِهِمْ بحِصَّتِهِمْ، كتَركِهَا بِلَا أَحَدِهِمَا.

وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ وَبِهِ،

===

كتاب الوَصَايَا

(هِي):

أَي الوصية (إِيْجَابٌ) أَي تمليك شيءٍ (بَعْدَ المَوْتِ) لكن بطريق التبرّع، عيناً كان ذلك الشيء أَوْ منفعة. وهي إِذا كان على المُوصي حقّ الله كالزكاة والصيام والحج والصلاة واجبةٌ، وإِلاّ فمستحبةٌ. والقياس أَنْ لا تجوز، لأنها تمليكٌ مضافٌ إِلى حال زوال الملك، ولو أَضاف أَحدٌ التمليك إِلى حال قيام الملك، بأَن قال: ملَّكتك غداً، كان باطلاً، فهذا أَولى، إِلاّ أَنْ الشارع أَجازها لحاجة الناس إِليها. فإِن الإنسان مغرورٌ بأَمله في طول أَجَلِه، مقصرٌ في عمله، فإِذا عَرضَ له عارضٌ فخاف الهلاك احتاج إِلى تلافي ما فاته بما له، على وجهٍ لو تحقّق ما يخافه لحصل حسن مآله.

ويجوز أَنْ يبقى الملك بعد موت المالك باعتبار الحاجة، كما في قدر التجهيز والدين. وقد نطق (١) بها الكتاب والسنة، وانعقد عليها إِجماع الأمة. ثم هي واجبةٌ على المديون بما عليه، سواء كان حقاً لله كالزكاة والحج، أَوْ حقاً للعباد كالديون والأعيان المغصوبة.

(وَنُدِبَتْ) الوصية (بإِقلَّ مِنَ الثُّلُثِ عِنْدَ غِنَى وَرَثَتِهِ، أَوْ اسْتِغْنَائِهِمْ بحِصتهم) لأن فعلها حينئذٍ صدقةٌ على الأجنبي، وتركها هبةٌ من القريب، والصدقة أَولى، لأنها يبتغى بها رضى الخالق، وبالهبة رضى المخلوق. وقيل بالتخيير لاشتمال كلَ منهما على فضيلةٍ هي: الصدقة، أَوْ الصلة. (كَتَركِهَا بِلَا أَحَدِهِمَا) أَي كما نُدِبَ ترك الوصية عند عدم كل من غنى الورثة واستغنائهم بما يرثون، لِمَا فيه من الصدقة على القريب، ولأن فيه رعاية لحقّ الفقراء والقرابة جميعاً.

(وَصَحَّتْ) الوصية (لِلْحَمْلِ) لأنه يصلح خليفة عن الميت في الوراثة، فكذا في الوصية، لأنها أَختها غير أَنها ترتدُّ بالردّ لما فيها من معنى التمليك. (وَبِهِ) (٢) أَي وصحّت الوصية بالحمل أَيضاً، لأنه يجري فيه الإرث فيجري فيه الوصية، لأنها أُخته.


(١) في المخطوط: يطلق، والمثبت من المطبوع.
(٢) وصورته: بأَن أَوصى لرجلٍ بما في بطن أَمَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>