للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الجِنَايَاتِ

القَتْلُ العَمْدُ: ضَرْبٌ قَصْدًا بِمَا يُفَرِّقُ الأَجْزَاءَ، كَنَارٍ ومُحَدَّدٍ، وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ،

===

ولنا: أَنْ موضع البغاة لمّا خرج عن ولاية الإمام صار كدار الحرب، فلم يجب فيه الحدود والقصاص، لأن إقامتها للإمام، ولا ولاية له عليهم حال وجود موجباتها، فلا تكون موجبةً في وقتها، ولا تنقلب موجبةً بعده كالقتل في دار الحرب.

وكُرِهَ بيع السلاح من أهل الفتنة إن عُلِمَ أنه منهم، لأنه إعانةٌ على المعصية، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ} (١) . ولا بأس ببيعه ممّن لا يُعْلَم أنه منهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب الجِنَايَاتِ

الجناية في اللغة: ما يَحْرُمُ من الفعل، سواء كان في نفسٍ أو مالٍ أو غيرهما. وفي الفقه: فعلٌ محرمٌ في نفسٍ ـ ويسمّى قتلاً ـ أو طَرَفٍ، ويسمّى قطعاً وجرْحاً. والقتل فعلٌ يُضَاف إلى العبد تزول به الحياة، وزوال الحياة بدون فعل العبد يسمّى موتاً، والكل بأجلٍ مسمّى.

ثم القتل الذي يتعلّق به الأحكام من القصاص والدِّية والكفارة، وحرمان الإرث والإثم على ما ذكر محمد في «الأصل» ثلاثة: عَمْدٌ، وخطأ، وشِبْهُ عَمْدٍ (القَتْلُ العَمْدُ) هو (ضَرْبٌ قَصْداً بِمَا يُفَرِّقُ الأَجْزَاءَ، كَنَارٍ ومُحَدَّدٍ، وَلَوْ) كان المحدّد (مِنْ خَشَبٍ) أو حجرٍ وهو المَرْوَة، أو قشر قصبٍ وهو اللِّيطَة، أو إبرة في (المقتل) (٢) ، وهما (٣) زادا كمالك والشافعي: ما لا يطيقه البدن من المُثَقَّل في كون القتل به عمداً.

ولا يشترط في الحديد ونحوه الجَرْح في ظاهر الرواية. قيّد بالقصد، لأن موجب هذا الفعل الإثم، وهو لا يتحقق إلاّ بالقصد، لأن الخطأ والنسيان مرفوعان عن هذه الأمة. وقيّد القصد بما يفرِّق الأجزاء، لأن قصد القتل من أفعال القلب، وهي لا تَوَقُّفَ عليها، فأقيم استعمال الآلة القاتلة غالباً ـ وهي المفرِّقة للأجزاء ـ مقامه تيسيراً، كما أقيم السفر مقام المشقّة، والنوم مضطجعاً مقام الخارج من أحد السبيلين، والبلوغ مقام اعتدال العَقْل.


(١) سورة المائدة، الآية: (٢).
(٢) في المطبوع: المثقل، والمثبت من المخطوط.
(٣) أي الصاحبان.

<<  <  ج: ص:  >  >>