للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ في التَّعْزِيرِ

وَأَكْثَرُ التَّعْزِيْرِ تِسْعَةٌ وَثَلاثوْنَ سَوْطًا،

===

فصلٌ فِي التَّعْزِيْرِ

وهو تأديبٌ دون الحد مشتقٌ من العَزْر بمعنى الردع والزجر. وهو مشروعٌ بالكتاب، قال الله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيْلاً} (١) أَمر بضرب الزوجات تهذيباً وتأَديباً. وبالسنة وهو ما رواه محمد بن الحسن مرسلاً (عن الضَّحَّاك بن مزاحم، والبيهقي) (٢) عن النّعْمَان بن بشير: «من بلغ حدًّا، في غير حدَ، فهو من المعتدين». وقال عليه الصلاة والسلام في الصبيان: «اضربوهم لعشرةٍ» (٣) . لترك الصلاة، وبإِجماع الصحابة.

وهو قد يكون بالكلام العنيف، وقد يكون بتحريك (٤) الأُذُن، وبالصفع وبالضرب. (وَأَكْثَرُ التَّعْزِيْرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُوْنَ سَوْطَاً) عند أَبي حنيفة، وخمسٌ وسبعون سوطاً عند أَبي يوسف في ظاهر الروايات عنه، وهو قول ابن أَبي ليلى. وفي روايةٍ: تسعٌ وسبعون. وقول محمد ذكره بعضُهم مع أَبي حنيفة، وبعضهم مع أَبي يوسف.

والأصل في هذا ما أَخرجه البيهقيّ عن النُّعمان بن بشير ـ وقال: المحفوظ أَنه مرسلٌ ـ أَنه صلى الله عليه وسلم قال: «من بلغ حدّاً، في غير حدّ، فهو من المعتدين». أَي من أَتى حدّاً في موضعٍ لا يجب فيه الحدّ، فهو من المعتدين، فلزم أَنْ لا يبلغ به حدّاً. إِلاّ أَنْ أَبا حنيفة اعتبر أَدنى الحدِّ، وهو (حدُّ) (٥) العبد، وأَقلّه أَربعون، لأن مطلق الحدّ يتناوله، وأَبو يوسف اعتبر حدَّ الأحرار، لأنهم الأُصول، وأَقلُّه ثمانون، فينقص عنه سوطاً في رواية هشام عنه، وهو القياس، وبه قال زُفَر، وفي روايةٍ: خمسة، وهو مأْثور عن عليّ فقلّده.

ولأن أَقصى حدّ الأحرار مئة، وأَقصى حدّ العبد خمسون، فوجب أَنْ يُحَدَّ نصف كل واحدٍ منهما، وذا خمسة وسبعون. وقال مالك: لا حدّ لأكثر التعزير، فيجوز للإمام عنده أَنْ يزيد في التعزير على الحدّ إِذا رأَى المصلحة في ذلك، ولا يَبْعُد أَنْ يعمل


(١) سورة النساء، الآية: (٣٤).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط. والصواب ما أثبتناه من المطبوع لما في الآثار ص ٣٠٧ باب التعزيز، رقم (٦١٠)، وسنن البيهقي ٨/ ٣٢٧، كتاب الأشربة .. ، باب ما جاء في التعزيز …
(٣) أخرجه البيهقي في سننه ٢/ ٢٢٩، كتاب الصلاة، باب عورة الرجل.
(٤) في المخطوط: بتحريك، والمثبت من المطبوع ومعنى عرك الجلد ونحوه: دلكه. المعجم الوسيط ص ٥٩٦، مادة (عرك).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>