للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولِغَيْرِهِ بِمُضِيّ شَهْرٍ، فَإِنْ شَهِدَ بِزِنَا وَهِيَ غَائِبَةٌ حُدَّ، وَبِسَرِقَة من غائبٍ لا.

ونُصِّفَ حَدُّ العبد. وَيَكْفِي حَدٌّ بِجِنَايَاتٍ اتحَدَ جِنْسُهَا.

===

(ولِغَيْرِهِ) أَي الشُّرب (بِمُضِيّ شَهْرٍ) عند أَبي يوسف ومحمد، وبالتفويض إِلى رأي القاضي عند أَبي حنيفة. وقيل: يقدّر بنصف الشهر، والأول أَصحّ، وهو رواية عن أَبي حنيفة. (فَإِنْ شَهِدَ) على رجلٍ (بِزِنَا) بفلانةٍ أَوْ أَقرّ رجلٌ أَنه زنا بفلانَةٍ (وَهِيَ غَائِبَةٌ) أَوْ أَقرّ بالزنا بمجهولةٍ (حُدَّ) ذلك الرجل باتفاق الأئمة. (وَ) إن شهد على رجلٍ (بسرقة من غائبٍ لا) أي لا يقطع.

(ونُصِّف حَدُّ العبد) فيجلد في الزنا خمسين، وفي غيره أَربعين لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ} (١) (أَي من الجلد) (٢) والآية وإِن كانت في الإماء إِلاّ أَنه يُعْرَف منها حُكْم العبد بطريقِ الدِّلالة.

(وَيَكْفِي حَدٌّ) واحدٌ (بِجِنَايَاتٍ اتحَدَ جِنْسُهَا) فمن قذف جماعةً بكلمةٍ واحدةٍ بأَن قال: يا زناة، أَوْ بكلمات متفرقةٍ بأَن قال: يا زيد أَنت زانٍ، ويا عمرو أَنت زانٍ، ويا خالد أَنت زانٍ، لا يُقَام عليه إِلاّ حدٌ واحدٌ. وكذا مَنْ زنى مراراً، وشرب مراراً يكفيه حدٌّ واحدٌ، وبه قال مالك، والثَّوْرِيّ، وابن أَبي لَيْلَى، والشَّعْبِيّ، والزُّهْرِيّ، والنَّخَعِي وقَتَادة وحمَّاد وطاوس، وأَحمد في روايةٍ. وقال الشافعيّ: إِنْ قذف جماعةً بكلماتٍ، أَوْ واحداً مرات بزناً متعددٍ، يجب لكل قذف حدٌّ، وبه قال أَحمد في روايةٍ بناءً على أَنْ الغالب في حدّ القذف عنده حقّ الآدمي، فلا يتداخل كالديون والقصاص، بخلاف ما لو قذفهم بكلمةٍ واحدةٍ حيث يتداخل في القديم دون الجديد، أَوْ قذف واحداً مرات بزناً واحدٍ حيث يتداخل.

وعندنا الغالب في حدّ القذف حقّ الله تعالى، فيكون مُلحَقاً بحدّ الزنا والشرب. وأَمّا الجناياتُ المختلفةُ الجنس فلا تتداخل إِجماعاً، لأن المقصود من كل جنسٍ غير مقصود من الآخر، فحدّ الزنا لصيانة الأنساب، وحد السرقة لصيانة الأموال، وحد الشرب لصيانة العقول، وحد القذف لصيانة الأعراض. فلو قذف وزنا وسرق وشرب يُقَام عليه لكل واحدٍ حَدُّه، ولا يوالي بين حَدَّين خِيفةَ هلاكه بل ينتظر حتى يبرأَ من الأوّل، ويبدأَ بحدّ القذف، لأن فيه حقّ العبد، ثم الإمام مخيّر إِنْ شاء بدأَ بحدِّ الزنا، وإِن شاء بالقطع لاستوائهما في القوة إِذْ هما ثابتان بالكتاب، ويؤخّر حدّ الشرب، لأنه أَضعف منهما. ولو كان مع هذه جراحة توجب القصاص بدأ بالقصاص، لأنه حقّ العبد، ثم حدّ القذف، ثم الأقوى فالأقوى، والله تعالى أَعلم بالصواب.


(١) سورة النساء، الآية: (٢٥).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>