للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

«مَنْ شرب الخمر فاجلدوه» (١) ، وقوله: «إِذا سَكِرَ فاجلدوه» (٢) . ولأن وجود الرائحة لا يصلح دليلاً، إِذْ قد يتكلف لزوالها مع بقاء الخمر، وقد يوجد رائحة الخمر من غير خمرٍ كما قيل:

*يَقُولُوْنَ لِي: إِنَّكَ شَرِبْتَ مُدَامَةً (٣) ** فَقُلْتُ لَهُمْ: لَا بَلْ أَكَلْتُ سَفَرْجَلَا

وقيل:

*سَفَرْجَلَةٌ تحْكِي ثَدْيَ النَّوَاهِدِ ** لَهَا عَرْفُ (٤) ذي فِسقٍ وصُفْرَةُ زَاهِدِ

فظهر أَنْ رائحة الخمر تلتبس بغيرها، فلا يُنَاط شيء من الأحكام بوجودها ولا بعدمها. ولو سلّمنا أَنها لا تلتبس على ذوي المعرفة، فلا موجِب لتقييد العمل بالبيّنة بوجودها، لأن المعقول تَقَيُّد قبولها بعدم التهمة، والتهمة لا تتحقّق في الشهادة بوقوعها بعد ذهاب الرائحة بل بتأْخير الأداء تأْخيراً يعدّ تفريطاً، وذلك منتفٍ في تأْخير يومٍ ونحوه، وبه تذهب الرائحة.

ومحل النزاع في عدم قبول الشهادة عند عدم الرائحة، وليس في أَثر ابن مسعود شهادةٌ مُنِعَ من العمل بها لعدم الرائحة وقت أَدائها، بل ولا إِقرارٌ، وإِنما فيه أَنه حدّه بظهور الرائحة بالتَرْتَرَة المَزْمَزة، وإِنما فَعَله لأن بالتحريك تظهر الرائحة من المعدة التي كانت خفيت، وكان ذلك مذهبه، ويدلّ عليه ما في الصحيحين عنه: أَنه قرأَ سورة يوسف، فقال رجلٌ: ما هكذا أُنْزِلَت، فقال عبد الله: والله لقد قرأْتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أَحسنت فبينا هو يكلّمه إِذْ وجد منه رائحة الخمر، فقال أَتشرب (الخمر) (٥) وتكذب بالكتاب؟ فضربه الحدّ. وروى الدَّارَقُطْنِيّ بسندٍ صحيحٍ عن السائب بن يزيد، عن عمر بن الخطاب، أَنه ضرب رجلاً وجد منه ريح الخمر.

والحاصل أَنْ حده عند وجود الريح مع عدم البيّنة أَوْ الإقرار لا يستلزم اشتراط الرائحة مع أَحدهما. ثم هو مذهب بعض العلماء منهم مالك، وهو قولٌ للشافعي (وروايةٌ عن أَحمد) (٦) ، والأصحّ عن الشافعي وأَكثر أَهل العلم نفيه. هذا ملخص كلام بعض أَهل التحقيق، والله ولي التوفيق.


(١) سبق تخريجه من قِبَل الشارح ص ٢٢٦.
(٢) سبق تخريجه من قِبَل الشارح ص ٢٢٦.
(٣) المُدَامة: الخمر. المعجم الوسيط ص ٣٠٥، مادة (دام).
(٤) العَرْفُ: الرائحة مطلقًا. المعجم الوسيط ص ٥٩٥، مادة (عرفه).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>