للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا في قذفٍ، وَضَمِنَ السَّرِقَةَ، وإن أَقَرَّ به حُدَّ، وَهُوَ للشُّرْبِ بِزَوَالِ الرِّيْح،

===

إِنما أَقدم عليها بعد ذلك لضغينة أَوْ عداوة فتردّ، وإِن كان لا للستر فهو فسق (لأن أَداء الشهادة واجبٌ، وتأخير الواجب فسقٌ) (١) وشهادة الفاسق مردودة، ولهذا قلنا في حق العباد. وإِذا طلب المدَّعي من الشاهد أَداء الشهادة، فأَخّر بلا عذرٍ ثم أَدّى، لا تقبل شهادته مع إِمكانه (إِلاّ في) حدّ (قَذْفٍ) فإِنه لا يردّ، لأن تأْخيرها فيه لعذر شرعي، وهو عدم الدَّعوى، لأن الدعوى شرطٌ في حدّ القذف كسائر حقوق العباد.

(وَضَمِنَ) السارق بالشهادة المتقادمة (السَّرِقَةَ) أَي المسروق، لأن التقادم يمنع الشهادة في حقّ الحدّ للتهمة، ولا يمنعها في حقّ المال، لأن المال يثبت مع الشبهة (٢) ، فصار كما لو شهد رجل وامرأَتان بالسرقة حيث يضمن السارق المال ولا يقطع. (وَإِنْ أَقرَّ به) أَي بحدَ متقادِم (حُدَّ). وقال زُفَر: لا يُحَدّ اعتباراً بالشهادة. وأُجِيْبَ: بأَن الشهادة قد تُهَيِّجُهُ عليها عداوةٌ حادثة، بخلاف الإقرار لانتفاء تُهمِة الضغينة فيه، لأنه لا يعادي نفسه، ولأن الإقرار لا يَبْطُل بالتهمة والفسق.

(وَهُوَ) أَي التقادم (للشُّرْبِ) من خمر أَوْ غيرها (بِزَوَالِ الرِّيْح) عند أَبي حنيفة وأَبي يوسف، وبِمُضِي شهرٍ عند محمد كما في الحدود. لهما ما روى عبد الرَّزَّاق في «مصنفه»، والطَّبَرَانِي في «معجمه»، وإِسحاق بن رَاهُويه في «مسنده»، عن أَبي ماجد الحنفي قال: جاء رجلٌ بابن أَخٍ له سكران إِلى عبد الله بن مسعود، فقال عبد الله: تَرْتِرُوه ومَزْمِزُوه واستنكهوه، ففعلوا فرفعه إِلى السجن، ثم دعا به من الغد ودعا بسوطٍ ثم أَمر (به فدُقَّت) (٣) ثمرته بين حجرين حتى صارت دِرَّةً (٤) ، ثم قال للجلاّد اجلد، (وأَرجع يدك) (٥) ، وأَعط كل عضوٍ حقّه. والتَرْتَرَة بمثناتين فوقيتين وراءين مهملتين: التحريك، وكذا المَزْمَزَة بزائين معجمتين.

والحاصل: أَنَّ بقاء ريح الخمر والنبيذ شرطٌ لإقامة الحدّ عند أَبي حنيفة وأَبي يوسف، إِلاَّ أَنْ ينقطع لبعد مسافة عن الإمام، لقول ابن مسعود. ونفى محمد اشتراط بقائه كمالك والشافعيّ، وهو الصحيح، لإطلاق ما رُوِّينا من قوله عليه الصلاة والسلام:


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع: الشهادة، والمثبت من المخطوط.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٤) الدِّرَّةُ: السَّوْط. المصباح المنير ص ١٩٢، مادة (درّ).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>