للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا بِمُجَرَّدِ الرِّيْحِ أَوْ التَّقَيؤ، أو السُّكْرِ، ولا إنْ رَجَعَ عن الإقرار، ومَنْ شَهِدَ بحَدٍّ مُتقَادِمٍ قريبًا من إمَامٍ رُدَّ،

===

نرى أَنْ تجلده ثمانين، فإِنه إِذا شرب سَكِر، وإِذا سَكِرَ هَذَى، وإِذا هَذَى افترى (وعلى المفتري ثمانون) (١) فجلد عمر في الخمر ثمانين. وفي «مصنف عبد الرَّزَّاق»: أَخبرنا سفيان الثوري، عن عوف (٢) ، عن الحسن: أَنْ النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر ثمانين.

(لا بِمُجَرَّد الرِّيْح) أَي لا يحدّ من لم يوجد منه إلاّ ريح الخمر (أَوْ) لم يوجد منه إلاَّ (التقيؤ)

أي تقيؤ الخمر لاحتمال أنه شربها مُكْرَهاً أو مضطراً (أو) لم يوجد منه إِلاّ (السُّكْرِ) لاحتمال أَنه سكر من مباحٍ. وقال مالك، وهو روايةٌ عن أَحمد: يحدُّ من وُجِدَ منه رائحة الخمر، لأن رائحتها منه تدلّ على شربها، فصار كإِقراره بالشرب.

وأُجيب: بأَن رائحتها وإِن دلت على شربها، إِلاّ أَنه يحتمل أَنْ يكون مكرهاً أَوْ مضطراً، والحدُّ لا يجب بالشرب إِلاّ إِذا عُلِمَ أَنه طائعٌ غير مضطرٍ. (وَلَا إِنْ رَجَعَ) أَي ولا يحد المقرّ إِنْ رجع (عَنْ الإقْرَارِ) بالشرب قبل الحد، أَوْ في وسطه، لأنه خالص حقّ الله، فيعمل الرجوع فيه كالزنا، بخلاف حدّ القذف والقصاص لأنهما من حقوق العباد. (وَمَنْ شَهِدَ بِحَدٍ مُتَقَادِمٍ) أَي حدّ كان، حال كونه (قَرِيْبَاً مِنْ إِمَامٍ رُدَّ) خلافاً لمالك والشافعيّ وأَحمد في روايةٍ اعتباراً بالشهادة في حقّ العباد.

ولنا ما ذَكَر محمد في «الأصل» عن عمر أَنه قال: أَيُّما شهودٍ شهدوا على حدَ لم يشهدوا عند حضرته، فإِنما شهدوا على ضِغْن، فلا شهادة لهم. ولأن الشاهد متى عاين الزنا ونحوه فهو مخيّرٌ بين حِسْبَتَيْن: حِسْبَة آداء الشهادة ليقام الحدّ فيحصل الانزجار، قال الله تعالى: {وَأَقِيْمُوا الشَّهَادَة} (٣) ، وحِسْبة السَّتر على المسلم بالامتناع عن الشهادة، فإِن الشرع ندبنا إِلى الستر بقوله تعالى: {إِنّ الَّذِيْنَ يُحِبُّوْنَ أَنْ تَشِيْعَ الفَاحِشَةُ} (٤) الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ ستر على مسلمٍ ستره الله في الدنيا والآخرة» (٥) . فتأْخير هذه الشهادة مع إِمكان أدائها إِنْ كان للستر فيتهم بأَنه


(١) ما بين الحاصرتين زيادة غير موجودة في الموطأ.
(٢) في المخطوط: عن عون، والمثبت من المطبوع وهو الصواب، لما في مصنف عبد الرزَّاق ٧/ ٣٧٩ باب حد الخمر، رقم (١٣٥٤٧).
(٣) سورة الطلاق، الآية: (٢).
(٤) سورة النور، الآية: (١٩).
(٥) أخرجه الترمذي في سننه ٤/ ٢٦، كتاب الحدود (١٥)، باب ما جاء في السَّتْر على المسلم (٣)، رقم (١٤٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>