للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوْ أَوْصَى بِشيء، وصُلِّيَ علَيْهِ.

وإِنْ قُتِلَ لِسِعَايَةٍ، أو لِبَغْي، أَو قَطْعِ طَرِيقٍ، غُسِّل ولا يُصَلَّى عليه.

===

الدنيا في حق الأحياء، فنال رفقهم إذ التكليف منه لطف من الله سبحانه. (أوْ أَوْصَى بِشيءٍ) من أمور الدنيا أو الأخْرَى عند أبي يوسف خلافاً لمحمد. قيل: اختلافهما (في الأمور الدنيوية، وأما الأخروية، فلا يغسل اتفاقاً، وقيل: وأما الدنيوية فيغسل اتفاقاً. وقيل: قول أبي يوسف) (١) في الأمور الدنيوية. وقول محمد في الأخروية. وفي «المُحيط»: وهو الأظهر. لأن الوصية بأمور الدنيا من أمور الأحياء.

(وصُلِّيَ علَيْهِ) عطف على غُسِّلَ. وفي «شرح الكنْز»: هذا كله بعد انقضاء الحرب. وأما قبله، فلا يكون مرتثّاً بشيء منه. ثم المُرْتَثُّ وإن غُسِّلَ فله ثواب الشهداء كالغريق، والحريق، والمبطون، والمطعون، والغريب، فإنهم يُغَسَّلُون وهم شهداء، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلَا ترى أنَّ عمر وعليَّاً حُمِلا إلى بيتهما بعد الطعن وغُسِّلا، وكانا شهيدَين، وعثمان لم يَرْتَثَّ (٢) بل أُجْهِزَ عليه في مصرعه، فلم يغسل، فعرفنا بذلك أَنَّ الشهيد الذي لا يُغَسَّل مَنْ أُجْهِزَ عليه في مصرعه دون مَنْ حُمِل حيَّاً ليمرَّض.

(وإِنْ قُتِلَ لِسِعَايَةٍ) في الأَرض فساداً (أَوْ لِبَغْيٍ) على الإمام العدل (أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، غُسِّل ولا يُصَلَّى عليه) للفَرْق بينه وبين الشهداء. وقيل: لا يُغسل ولا يصلَّى عليه إهانةً له، «لأَن عليَّاً رَضِيَ الله عنه لم يغسل أَهل النهروان، ولم يصلِّ عليهم، فقيل: أكفارٌ هم؟ فقال: لا ولكنهم إخواننا بغوا». إشارة إِلى أَنَّ تَرْك الغسل والصلاة عقوبةً لهم، وليكون زجراً لغيرهم، وهو نظير تَرْك المصلوب على خشبته عقوبة له، زجراً لغيره، كذا ذكره السَّرَخْسِي. واستغربه الزَّيْلَعِي المُخَرِّج لأَحاديث «الهداية».

ثُم هذا إذا قُتل الباغي وقاطع الطريق حال المحاربة، وأَما إِذا قُتِلا بعد ثبوت يد الإِمام عليهما فإِنهما يُغَسَّلان ويُصَلَّى عليهما، لأَنَّ قَتْل قاطع الطريق حينئذٍ لِلحَدِّ أو القصاص، وقَتْل الباغي للسياسة وكَسْر الشوكة. وأَمَّا المقتول بالعصبيةِ فحكمُه حُكْم الباغي، وكذا من قتَل نفسه عند أَبي يوسف. وقال محمد: يُصَلَّى عليه لأَنَّ بَغْيَه على نفسه، فكان كسائر الفُساق.


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٢) الارْتثاث: ارتفاقُ - أي تمتع - الجريح بشيء من مرافق الحياة كالأكل والشرب ونحوهما - معجم لغة الفقهاء ص:٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>