للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعُلِمَ شُرْبهُ طَوْعًا،

===

رجلٌ وامرأَتان (وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعَاً) قيّد بالطوع، لأن الشرب إِكراهاً أَوْ ضرورةً لا يُوجب الحدّ. وإِنّما قيّدنا النبيذ بالمحرّم، لأنه الذي يُحَدّ عندنا من كثيره وهو ما أَسكر، لا من قليله وهو ما لا يسكر، وبه قال النَّخَعِي وأَبو وائل. وقال مالك والشّافعيّ وأَحمد والأوزاعيّ والحسن وقَتَادة وعمر بن عبد العزيز: يُحَدُّ في قليله وكثيره كالخمر. وقال أَبو ثَوْر: من شرِبَه متأَوِّلاً، فلا حدّ عليه، لأنه مختلف فيه، فأَشبه النكاح بلا وليّ.

ولنا ما روى ابن أَبي شَيْبَة في «مصنفه»: أَنْ عمر بن الخطاب ساير (١) رجلاً في سفرٍ ـ وكان صائماً ـ فلما أَفطر أَهوى إِلى قِرْبةٍ (٢) لعمر معلّقة فيها نبيذٌ، فشرب منها فسكر، فضربه عمر الحدّ. فقال: إِنّما شربت من قِرْبتك، فقال له عمر: إِنما جلدتك لسُكْرك. وشرب رجلٌ من إِدَاوَة (٣) عليّ رضي الله عنه (نبيداً) (٤) بِصِفِّين فسَكِر، فضربه الحدّ ثمانين.

وفي «سنن الدَّارَقُطْنِيّ» عن ابن عمر: أَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ برجلٍ قد سَكِر من نبيذ تمر فجلده. وفي «مسند ابن رَاهُويَه» عنه أَيضاً قال: أُتِي النبيّ صلى الله عليه وسلم بسكران فضربه الحدّ، وقال له: «ما شرابُك؟» قال: تمرٌ وزبيبٌ. فقال: «لا تخلطوهما جميعاً، يكفي أَحدهما من صاحبه».

وفي «الجامع» للمَحْبُوبي: السُّكْر من هذه الأشربة المتّخذة من الحبوب كالحِنْطَة والشعير والذرة والعسل والفِرْصَاد ـ وهو التوت الأسود ـ وغيرها حرامٌ بالاتفاق، لأن السُّكْر من البَنْج (٥) حرامٌ، مع أَنه مأْكولٌ غير مشروبٍ، فمن المشروب أَولى. وبعض المشايخ قال: في زماننا الفتوى على من سَكِر من البَنْج يقع طلاقه، ويحدّ لِفُشو هذا الفعل بين الناس.

واعلم أَنه يحدّ لشُرب الخمر ولو قطرةً، لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ شرب الخمر فاجلدوه»، إِلى أَنْ قال: «فإِن عاد الرابعة فاقتلوه». رواه أَصحاب السنن من حديث معاوية، ولفظه من حديث أَبي هريرة: «إِذا سَكِر فاجلدوه» .... الحديث. ورواه النَّسائي عن ابن عمر وجابر وغيرهما من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باللفظ الأوَّل. وروى


(١) ساير: أَي سار معه وجاراه. المعجم الوسيط ص ٤٦٧ مادة (سير).
(٢) القِرْبَةُ: ظرف من جلدٍ يُخْرَز من جانبٍ واحدٍ. وتستعمل لحفظ الماء أَو اللبن ونحوهما. المعجم الوسيط ص ٧٢٣، مادة (قرب).
(٣) الإدَاوَة: إِناءٌ صغير يُحْمل فيه الماء. المعجم الوسيط ص ١٠.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٥) البَنْج: جنس نباتات طيبة مخذرة. المعجم الوسيط، ص ٧١، مادة بنج.

<<  <  ج: ص:  >  >>