وفي «أدب القاضي» للصدر الشهيد: أنّ الرِّشْوَة على أربعة أوجه: منها ما هو حرامٌ للآخذ والمعطي، وهو الرِّشْوة في تقلّد القضاء، فإنه لا يصير قاضياً. ومنها ما يأخذه القاضي على القضاء وهو حرامٌ من الجانبين أيضاً، ولا ينفذ قضاؤه ولو كان بحقّ. ومنها ما دَفَعَها لخوف على نفسه أو ماله، وهذه حرامٌ على الآخذ لا الدَّافع. ومنها ما دفعها ليستوي حاله عند السلطان، وهذه تحِلّ لدافع لا لآخذ.
(وَالاجْتِهَادُ شَرْطٌ للأَوْلَوِيَّةِ) عندنا في الأصح، وهو ظاهر الرواية لا شرط الصحة، لما رُوِيَ أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسَّلام قلّد عليّاً قضاء اليمن حيث لم يبلغ حدّ الاجتهاد. فقد روى أبو داود عن عليّ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء، فقال:«إنّ الله سيهدي قلبك، ويُثَبِّتُ لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضيَنَّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبيّن لك القضاء»، قال: فما زلت قاضياً وما شككت في قضاء بعدُ. خلافاً (لزُفر)(١) ومالك والشّافعيّ وأحمد، وهو نصّ محمد في «الأصل»: أنّ المقلِّد لا يجوز أن يكون قاضياً، لأنه مأمورٌ بالقضاء بالحقّ، ولا أمر بلا قدرة، ولا قدرة بلا علم.
ولنا: أنّ المقصود من القضاء، وهو إيصال الحقّ إلى مستَحِقِّه، يحصل بفتوى غيره، والمراد بالعلم ليس ما يقطع بصوابه، بل ما يظنه المجتهد، فإنه لا قطع في مسائل الفقه غالباً، فإذا قضى بقولٍ مجتَهَدٍ فقد قضى بذلك العلم وهو المطلوب، ولكن إذا وُجِدَ في الرَّعيّة عدلٌ عالمٌ لا يحلّ تولية من ليس كذلك، بل لا يصحّ تولية الجاهل الفاسق في رواية «النوادر» عن أئمتنا الثلاثة، كسائر أقوال أصحاب المذاهب. واختارها الطَّحاوي لقوله عليه الصلاة والسلام:«مَنْ استَعمل رجلاً على عِصَابَةٍ، وفي تلك العصابة مَنْ هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسولَه وجماعة المسلمين». رواه الحاكم من حديث ابن عبّاس. وأخرجه الطَّبَرَانِيّ عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَلَّى من أمر المسملين شيئاً، فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أنّ فيهم من أولى بذلك، وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين».
وأصحّ ما قيل في حدّ المجتهد أن يكون قد حوى عِلْمَ الكتاب ووجوه