للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلا يَطْلُبُ، وَإنَّما يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَثِقُ عَدْلَهُ.

===

معانيه، وعِلْمَ السُّنَّةِ بطرقها ومتونها ووجوه معانيها، وكذا علم الآثار المنقولة عن الصحابة، وما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه، وأن يكون عالماً بالقياس وعُرف النَّاس.

(وَلَا يَطْلُبُ) القضاء لا بقلبه ولا بلسانه إلاّ إذا لم يكن غيره يصلح للقضاء، فإنه يُفترض عليه صيانةً لحقوق المسلمين، كصلاة الجنازة إذا تعيّن واحد لإقامتها يفترض عليه. وقال بعض أصحاب الشّافعيّ: إن كان خامل الذِّكْر ولو وُلِيَ القضاء لاشتهر وانتفع الناس بعلمه، أو لم يكن له كفاية ولو وُلِيَ صار مكفياً من بيت المال، يستحب له الطلب.

والأصل في ذلك ما أخرج البخاري عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّه قال: «يا عبد الرحمن بن سَمُرَة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعْطِيْتَها (١) عن مسألة وُكِلْتَ إليها، وإن أعطيتَها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها». وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل القضاء وُكِلَ إلى نفسه، ومن أُجْبِرَ عليه نزل إليه مَلَك يُسَدِّدُهُ». وإنما وُكِلَ إلى نفسه لأنه اعتمد على نفسه (٢) وورعه، بخلاف من أُكْرِهَ، فإنه اعتصم بالله وحِفْظِهِ.

وقيل: يَحْرُمُ الدُّخول فيه إلاّ أن يُكره عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «من جُعِلَ على القضاء فقد ذُبِحَ بغير سكين». رواه أصحاب السنن من حديث أبي هُرَيْرَة، وحسَّنه الترمذي. ورواه ابن عدي في «الكامل» عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من اسْتُقْضِيَ فقد ذُبِحَ بغير سكين». وفي «صحيح مسلم» عن أبي ذرَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا ذر إني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم».

(وَإِنَّما يَدْخُلُ فِيهِ) أي القضاء (مَنْ يَثِقُ عَدْلَهُ) أي يعتمد عدل نفسه، صيانةً لحقوق العباد، وإخلاءً للعالَم عن الفساد. وأمّا من يخاف على نفسه العجز عنه، أو لا يأمن على نفسه الظلم، فيكره له الدُّخول في القضاء. وذلك لأنّ عليّاً لما امتَحَنَ قاضياً قال: ما صلاح الأمر؟ قال: الورع، قال: ما فساده؟ قال: الطمع. فقال: حُقَّ لك أنّ تقضي. وعن عمر أنّه قال: إذا كان في القاضي خمس خصالٍ فقد كَمُل، وإن كان فيه أربع ولم تكن واحدة ففيه وَصْمَة، وإن كان فيه ثلاثة، ولم تكن فيه اثنتان ففيه وَصْمَتَان، قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: (علمٌ) (٣) بما كان قبله. ـ وهو إشارة


(١) في المخطوط: أديتها، والمثبت من المطبوع وهو الصواب لموافقته لما في صحيح البخاري، (فتح الباري) ١٣/ ١٢٤، كتاب الأحكام (٩٣)، باب من سأل الإمارة وُكِلَ إليها (٦) رقم (٧١٤٧).
(٢) في المخطوط: علمه، والمثبت من المطبوع.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>