للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلا الخَطَّابِيّة، ومِنَ الذِّميِّ على مِثِلِه وإن تَخَالَفَا مِلَّةً، وعلى المسُتَأْمَن

===

هَوَاه} (١) ، وقال تعالى: {ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} (٢) سمُّوا بذلك لمتابعتِهم أَنفسَهُم ومخالفتهم أَهل السنةِ والجماعة. وإِنما قُبِلَت شهادتهم لأن فسقَهم من حيث الاعتقادُ، وما أَوقعَهم فيه إِلا التعمقُ والغلوُ في الدين. والفاسق إِنما تُرَد شهادتُه لتُهمة الكذب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا شهادة لمُتَّهَم» (٣) . والفسق من حيث الاعتقادُ لا يدل على الكذب.

(إِلا الخَطَّابِيّة) وهم قوم من الرَّوَافض يُنْسبَون إِلى ابن الخطَّاب محمد بن وَهْب الأَجدع، يَسْتَجِيْزُون أَنْ يشهدوا للمدعي إِذا حلف أَنه محق، ويقولون: المسلمُ لا يحلفُ كاذباً، فباعتقادهم هذا تمكنتِ الشبهةُ في شهادتهم. وقيل: لأَنهم يعتقدون أَنْ من ادَّعى منهم شيئاً على غيره، يجب أَنْ يشهدَ له بقيتُهم. وفي «شرح الأقطع»: إِنهم قومٌ يُنْسَبون إِلى الخطَّاب رجل خرج بالكوفة وحارب عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان يَزعمُ أَنّ علياً الإله الأَكبر، وجعفراً الصادق الإله الأصغر. وكان أَظهرَ الدعوةَ إِلى جعفر فتبرَّأَ منه ودعا عليه فقتِلَ هو وأَصحابه، قَتَلَهُ عيسى وصَلَبَه بالكنائس.

وأَما غيرهم: فمنهم من يُكفِّر بالذنب كالخوارج، ومنهم من يُخرج المُذْنب عن الإِيمان ولا يدخله في الكفر كالمُعتزلة، وذلك يكون أَقوى اجتناباً عن الكذب حذراً من الخروج عن الدين، كمن تناول المُثَلَّث (٤) أَوْ متروكَ التسميةِ عمداً معتقِداً إِباحتَه، فإِنه لا يصير به مردود الشهادة.

وشرط في «الذخيرة»: أَنْ يكون هوىً لا يُكَفَّر به صاحبه كالمُجسِّمة. وفي «النهاية»: أَصول أَهل الهوى ستة: الجَبْرُ، والقَدَر، والرَّفْض، والخُرُوج، والتِّشْبيه، والتَّعْطِيل. وكل واحد ينقسم إِلى اثني عشر فرقة. وقال مالك: لا تقبل شهادة أَحد من أَهل الأهواء لأَنه أَغلظ وجوه الفسق. وقال أَحمد: لا تقبل شهادة ثلاثة من أَهل الأهواء القَدَرِيةَ والجَهْمِية، والرَّافِضة.

(و) تقبل (من الذِّمي على مثله) أَي على ذمي آخر (وإِن تخالفا ملة) كالتهود والتنصر (و) من الذمي (على المستأَمَن) وقال مالك والشافعي: لا تقبل لأَن الله تعالى


(١) سورة الجاثية، الآية: (٢٣).
(٢) سورة القصص، الآية: (٥٠).
(٣) لم نجده.
(٤) المُثَلَّثُ: من عصير العنب: ما طبخ حتى ذهب ثُلثاه. المغرب في ترتيب المعرب ١/ ١١٩، مادة (ثلث).

<<  <  ج: ص:  >  >>