للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المُستَأْمَنِ على مثلِهِ، إِن كانا من دار، ومِن عَدُوٍّ بسبب الدِّينِ، وممن اجتنبَ الكبائرَ، ولم يُصرَّ على الصغائِرِ، وغلبَ صوابُهُ.

===

قال: {وأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} (١) وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (٢) والكافر ليس بعدلٍ ولا بمرضي ولا منا، فصار كالمرتد حيث لا تقبلُ شهادته على مثله ولا على غيره. ولنا ما أَخرجه ابن ماجه في «سننه» عن مجاهد، عن الشَّعْبي، عن جابر بن عبد الله: أَنْ النبي صلى الله عليه وسلم أَجاز شهادة أَهلِ الكتاب بعضهم على بعض. وإِذا قُبِلَ الذمِي عند اتحاد الملة قُبِل عند اختلافها، إِذْ لا قائل بالفصل، إِلا أَنَّ مجاهداً فيه مقال.

وما في «سنن أَبي داود» بهذا الإِسناد جاءت اليهود برجل وامرأَة منهم زنيا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ائتوني بأَعلم رجلين منكم». فأَتوه بابني صُورِيا، فَنَشَدهما كيف تَجِدان أَمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد فيها إِذا شهد أَربعة منهم أَنهم رأَوا ذَكَرَه في فَرْجها كالمِيل في المُكحُلة رجما. قال: «فما يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجمُوهما؟» قالا: ذهب سلطانُنا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء أَربعة فشهدوا أَنهم رأَوا ذَكَرَه في فَرْجها كالمِيل في المُكحُلة، فأَمر النبي صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِهِمَا. وأَسند الطحاوي إِلى الشعبي عن جابر (٣) وفيه أَنه صلى الله عليه وسلم قال: «ائْتوني بأَربعة منكم يشهدون».

(و) تقبلُ (من المستأمن على مثلِهِ) قيد به لأَنه لا ولاية له على الذِّمي، لأَن الذِّميَ أَعلى حالاً منه، لأَنه من أَهل دارنا فلا تقبل شهادته عليه (إِنْ كانا من دار) وأَما لو كانا من دارين كالتركي والرومي، لا تقبل، لأَن اختلاف الدار يقطع الولاية، ولهذا لا يتوارثان (و) تقبل (من عدو بسبب الدين) لأَن معاداته من ديانته فيدل على عدالته (و) تُقبل (ممن اجتنبَ الكبائرَ ولم يُصِرَّ على الصغائِرِ وغلبَ صوابُهُ) على خطائه وصلاحُه على فساده، إِذْ العدل من كان كذلك على ما نُقل عن أَبي يوسف.

والحاصل:

أَنْ ارتكابَ الكبيرةِ يُوجب سقوطَ العدالةِ، وارتكابَ الصغيرةِ لا يُوجبِ سقوطها، لأَن ارتكابَ الكبيرةِ يَدُل على تهاونِ مرتكبها في الدين، والمتهاونُ لا يمتنعُ من شهادة الزور. وارتكاب الصغيرة لا يَدُل على التهاون في الدين إِلا أَنْ يُصرَّ عليها، لأَن الصغيرةَ تصيرُ بالإصرار كبيرة، كذا في «الذخيرة».


(١) سورة الطلاق، الآية: (٢).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٨٢).
(٣) عبارة المطبوع: و "أَسند الطحاوي كذلك والشعبي عن جابر" والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>