للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا يَصِحَّ مَهْرًا، وَهُوَ طَلاقٌ بَائنٌ

===

يوجدا، إذ يمكن الجمع بحمل عدم الأخذ على سوى الخُلْع وفَقْد رضاها. وقد يقال: إنّ النهيّ متعلق بما إذا أراد الزّوج استبدال غيرها مكانها، والآية الأخرى مُطْلقة، فكيف تكون ناسخةً؟ وقيَّدته الظّاهريّة بما إذا كرهته وخافت أنْ لا يوفيها حقّها وأن لا تُوفِّيه. ومنعته إذا أكرهها هو. وقال قوم: لا يجوز إلا بإذن السّلطان، رُوِيَ ذلك عن ابن سيرين، وسعيد بن جُبَيْر، والحسن. ولَعلّ متمسَّكَهم ظاهرُ قوله تعالى: {فإنْ خِفْتُمْ} على أنّ الضمير للحُكَّام.

(بِمَا يَصِحَّ مَهْراً) أي بجنس ما صَلُح لا بمقداره (وَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ) عند جماهير الأئمة من السلف والخلف. وقال أحمد وإسحاق بن رَاهُويَه والشّافعي في القديم: فُرْقَةٌ بغير طلاقٍ. لما رواه الدَّارَقُطْنِيّ عن ابن عبّاس: الخلع فُرْقَةٌ وليس بطلاقٍ، ولما روى عبد الرّزّاق في مصنفه من رواية طاوُس، عن ابن عبّاس أنه قال: لو طلّق رجل امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه، حلّ له أنْ ينكحها. ذكر الله الطَّلاق في أول الآية وفي آخِرها، والخُلْع بينهما بقوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} (١) إلى أن قال: {فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ثم قال: {فَإنْ طَلَّقَهَا} (٢) يعني الثالثة المفاد شرعيتها بقوله تعالى: {أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسَانٍ} فيكون الافتداء غيرَ طلاقٍ، وإلاّ كان أربعاً، والثّاني منتفٍ. ولأن النِّكاح يحتمل الفسخ لأنه يفسخ بخِيار العتق فكذا بالتَّراضي بالخلع، كالبيع في الإقالة.

وعن الحنابلة: لا يقع بالخلع طلاقٌ، بل هو فسخ بشرط عدم نيّة الطّلاق لا يُنْقص عدد الطّلاق. وقال آخرون: يقع ويكون رجعيًّا، فإن راجعها ردّ البدل الذي أخذه. (رواه عبد الرّزاق عن مَعْمَر، عن قَتَادة، عن سعيد بن المُسَيَّب قال: وكان الزّهْرِي يقول ذلك.) (٣) .

ولنا: ما روى عبد الرّزّاق، وابن أبي شَيْبَة في «مُصنَّفَيهما»، عن ابن جُرَيْج عن داود بن أبي عاصم، عن سعيد بن المُسَيَّب: أنّ النْبيّ صلى الله عليه وسلم جعل الخُلْع تطليقة. وما روى الدَّارَقُطْنِيّ والبَيْهَقِيّ في سننيهما، وابن عَدِيّ في «الكامل» من حديث عَبَّاد بن كَثِير، عن أيوب، عن عِكْرمة، عن ابن عباس: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل الخُلع تطليقةً بائنةً. لكن عبَّاد بن كثير فيه كلام، إلاّ أنه يَنْجَبِرُ بحديث ابن المُسَيَّب وإن كان مرسلاً، فإن مرسَلَه حُجَّةٌ إجماعاً. ورَوَى مالك، عن هِشَام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن جُهْمان مولى


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٣٩).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٤٠).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>