للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإِنْ أَحْرَمَ بِسَوْقِ الهَدْي - وهُوَ أَفْضَلُ - لا يَتَحَلَّلُ،

===

يصلُح أَنْ يكونَ ظَرْفاً لِلفِعْلِ. ولو صَامَ ثلاثةً مِنْ شَوَّال ثُم اعتمر لم يَجُز عن الثلاثةِ اتفاقاً، لأَن سبب وجوب هذا الصوم التمتع لأَنه بَدَلٌ عن الهَدْي، وهو في هذه الحالةِ غَيْرُ متمتعٍ لا حقيقةً ولا حُكْمَاً، فلا يجوزُ أَداؤُه قَبْل وجودِ سَبَبِهِ.

(فإِنْ أَحْرَمَ) المُتَمَتِّع (بِسَوْقِ الهَدْي) بأَن قَلَّدَ بَدَنَةَ نَفْلٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ جزاء صيدٍ، أَوْ جِنايةٍ كانت عليه في السَّنَة الماضية وتوجَّهَ معها يُرِيدُ الحجَّ. والأَظهر أَنَّ لفظَ «بسوق» بالموحدة أَي مُصَاحَباً بِسَوْق الهَدي مُتَلَبِّساً به، ويُحْتَمَل أَنْ يكونَ بالمُثَنَّاةِ التحتيّة أَي حال كَوْنِه يَسُوقُ الهَدْي، والسَّوْقُ أَفْضَلُ مِنَ القَوْدِ إِلاَّ أَنْ لا يُسَاقَ فَيَقُودُهُ.

والتقليد ـ وهو جَعْلُ مَزَادَة: أَي قِطعة من أَدم (١) ، أَوْ نَعْل، أَوْ لِحَاء (٢) شجرةٍ في عُنُقِهِ ـ أَفْضَلُ من التجليل لقوله تعالى: {ولا الهَدْيَ ولا القَلَائِدَ} (٣) ، والجَمْع بينهما حسن. وأَمَّا الإِشْعَارُ ـ وهو أَنْ يَطعن بالرُّمح في أَسْفَلِ سَنَام البَدَنَةِ مِنْ يَسَارِها أَوْ يَمِينِهَا حتى يَخْرُجَ الدَّمُ، ثُمَّ يُلَطَّخُ به سنَامُهَا ـ فقيل: مَكْرُوهٌ، وقيل: مَسْنُونٌ، لقول ابن عباس: صَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بذي الحُلَيفة، ثُم دعا بِنَاقَةٍ ـ وفي لفظٍ: بِبَدَنَةٍ ـ فأَشْعَرَها في صفحةِ سَنَامها الأَيْمن وسَلَت (٤) الدم عنها، وقَلَّدها نَعْلَين. الحديث أَخرجه الجماعةُ إِلاَّ البخاريّ.

(وهُوَ) أَي إِحرام المتمتع بِسَوْق الهَدْي (أَفْضَلُ) مِنْهُ بِغَيْر سَوْقٍ، لأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى مئة مِنْ الإِبل. والجملةُ حاليةٌ مُعْتَرِضَةٌ بين الشَّرْطِ وجوابه وهو قوله: (لا يَتَحَلَّلُ) أَي يَبْقَى على إِحرامه للعُمْرةِ حتى يَتَحَلَّل مِنْ حَجِّه وإِنْ حَلَق لم يتحلل مِنْ إِحْرَامِهِ، ولزمه دَمٌ، وهو قول أَحمد. وقال مالك والشافعيُّ: إِذا طاف وسَعَى وحَلَق، حَلَّ مِنْ عُمرتِهِ قِيَاساً على مَنْ لم يَسُقِ الهَدْيَ.

ولنا ما في «الصحيحين» مِنْ حديث ابن عُمر قال: تَمَتَّعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجَّةِ الوَدَاعِ بالعُمرةِ إِلى الحَجِّ وأَهْدَى، فساقَ معه الهَدْيَ مِنْ ذي الحُلَيْفة، وبَدَأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأَهَلَّ بالعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بالحَجِّ فَتَمَتَّعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالعُمرةِ إِلى الحَجِّ، فكان مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فساقَ الهَدْي، ومنهم مَنْ لم يَهْدِ. فَلَمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ


(١) أدم: جِلْد. لسان العرب ص ١٢/ ٩ - ١٠، مادة (أَدم).
(٢) لِحَاء الشجرة: أي قشرها. النهاية: ٤/ ٢٤٣.
(٣) سورة المائدة، الآية: (٢).
(٤) سَلَت الدَّم: أي أماطه. النهاية: ٢/ ٣٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>